سامر الحسيني (صحيفة الأخبار)
شكّلت زراعة العنب لسنوات جزءاً من هوية الريف البقاعي. وتحوّلت مع مرور الزمن إلى قطاع إنتاجي واعد، ولا سيما بعد نجاحه في النفاذ إلى أسواق الخليج ودولٍ آسيوية وأوروبية.
لكن هذه الزراعة تعاني اليوم من الجفاف الذي يرزح تحته لبنان، عدا عن الإهمال وغياب الدولة.
يلفت المهندس مهدي عودة، أحد أبرز مُصدّري عنب المائدة في لبنان، إلى أن «الأرقام الرسمية المتداولة لا تعكس بالكامل الحجم الحقيقي لهذا القطاع الحيوي»، مؤكداً أن «القيمة المضافة التي يحققها لبنان في هذا المجال تفوق بكثير ما تظهره البيانات التقليدية». إذ يُقدَّر حجم مساهمة قطاع العنب في الاقتصاد الوطني بـ150 إلى 200 مليون دولار سنوياً.
نمو متسارع وواعد
يشرح عودة أن «السنوات الأربع الماضية شهدت توسعاً لافتاً، مع زرع نحو مليون نصبة عنب جديدة سنوياً، أي ما مجموعه أربعة ملايين دالية، ما سيُضيف نحو 100 ألف طن من العنب العالي الجودة إلى الإنتاج اللبناني في السنوات المقبلة».
ويُشير إلى أن «التحدي الأساسي اليوم يتمثل في فتح أسواق جديدة قادرة على استيعاب هذا النمو المتسارع»، مشيراً إلى أن «العمل جارٍ منذ ثلاث سنوات لافتتاح سوق كندا وسوق جنوب أفريقيا، إلّا أن إجراءات وزارة الزراعة لا تزال تتحرك بوتيرة أبطأ مما يتطلبه واقع الإنتاج». كما يلفت إلى أن «سوق إندونيسيا، الذي يتجاوز عدد مستهلكيه 300 مليون نسمة، يشكّل فرصة استثنائية، لكنه يحتاج إلى حضور رسمي من الحكومة اللبنانية أكثر فاعلية لتسهيل دخول المنتجات اللبنانية».
وبالنسبة إلى طُرق التصدير، يشكو عودة من أن «الاعتماد الحصري على النقل البحري يحدُّ من القدرة التنافسية، إذ تحتاج الشحنات من 30 إلى 70 يوماً للوصول إلى الأسواق البعيدة في أوروبا وأفريقيا وأميركا الشمالية وكندا وشرق آسيا، وهو ما ينعكس سلباً على جودة العنب وقيمته».
لذا، يقترح عودة «حلاً عملياً يتمثّل في تفعيل مطار رياق وتحويله إلى مطار شحن مخصص للفواكه والخضروات اللبنانية الطازجة، بما يتيح إيصال المنتجات إلى الأسواق العالمية خلال أقل من 12 ساعة، مع الحفاظ على جودتها العالية وقدرتها التنافسية».
ويختم عودة بتأكيد أن «قطاع العنب في لبنان يمتلك إمكانات ضخمة، وأن دعماً رسمياً أكثر سرعة وتنظيماً يمكن أن يرفع قيمة الصادرات بسهولة إلى ما يفوق المليار دولار سنوياً، مما يمنح الاقتصاد اللبناني دفعة كبيرة ويعزّز حضور المنتجات اللبنانية في الأسواق العالمية».
الجفاف العدو الأول
هذا النمو المتسارع والواعد يصطدم بعقباتٍ متعدّدة، تبدأ من الجفاف الذي ترزح تحته المنطقة منذ موسمين زراعيين، ولا تنتهي عند كلفة الريّ الباهظة التي تستنزف المزارعين. الجفاف، كما يقولون في البقاع، لم يعد استثناءً، بل أصبح واقعاً قاتلاً.
ويجمع المزارعون على أنه بات عدوّهم الأول. فالمياه الجوفية تتراجع، وكلفة استخراجها عبر الآبار الارتوازية ترتفع بشكل جنوني، حتى بات القليل من الري يساوي أثمان المواسم بأكملها. يقول أيوب قزعون، أحد أبرز منتجي ومصدّري العنب: «نبذل أقصى ما في وسعنا للحفاظ على جودة الإنتاج، لكن الطبيعة لا ترحم، والدولة غائبة عن أيّ دعم فعلي»، لزراعة تشكّل مورد رزق لمئات المزارعين.
ويوضح أن «مواسم القطاف في البقاع تتزامن تماماً مع حاجة الأسواق الخارجية، ما يمنح المنتج اللبناني ميزةً تنافسية نادرة تجعل إنتاجه موضع استقطاب في الأسواق الأوروبية والخليجية التي تكون عطشى لدوالي العنب اللبناني». لكنه يلفت إلى «مشكلة بنيوية في القطاع، إذ يفتقر لبنان إلى اتفاقيات زراعية مع الشركات المالكة حصرياً لأنواع شتول العنب التي تطلبها الأسواق الأوروبية، ما يحدُّ من قدرة المزارعين على مواكبة الطلب الخارجي».
بدوره، يُحذّر المزارع أنطوان الهبر من «منافسة متزايدة في الأسواق الخليجية والعربية من دول مثل مصر وجنوب أفريقيا، بعدما كانت تلك الأسواق حكراً على العنب اللبناني»، داعياً الحكومة إلى «التحرّك العاجل لإزالة العقبات التي تعيق حركة التصدير، وإلى الضغط لرفع الحظر المفروض على بعض الأسواق الخليجية أمام المنتج اللبناني، لأن خسارة هذه الأسواق ستكون ضربة قاسية لآلاف العائلات التي تعيش من هذه الزراعة».