أعلنت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة القائمة المختصرة لفئة أفضل فيلم دولي في دورتها الثامنة والتسعين، في إعلان حمل دلالة خاصة على مستوى السينما العربية، بعدما ضمت القائمة أربعة أفلام عربية تمثل فلسطين والأردن وتونس والعراق.
حضور لافت، لا يمكن التعامل معه باعتباره مجرد رقم، بل باعتباره مؤشرًا على مسار فني وسياسي وجمالي بات يفرض نفسه على خريطة السينما العالمية، ويطرح في الوقت نفسه أسئلة نقدية حول طبيعة هذا الحضور، وحدوده، وما الذي تريده الأكاديمية من السينما القادمة من هذه المنطقة المضطربة من العالم.
الأفلام الأربعة هي: «فلسطين 36» عن فلسطين، «اللي باقي منك» عن الأردن، «صوت هند رجب» عن تونس، و«كعكة الرئيس» عن العراق. وعلى اختلاف تجاربها وأساليبها، تجمعها خيوط مشتركة تتعلق بالذاكرة، والعنف السياسي، والإنسان المحاصر داخل التاريخ.
«فلسطين 36».. استعادة التاريخ كفعل مقاومة
يذهب الفيلم الفلسطيني «فلسطين 36» إلى واحدة من اللحظات المفصلية في التاريخ الفلسطيني، وهي ثورة عام 1936 ضد الانتداب البريطاني. لا يكتفي الفيلم بإعادة تمثيل الحدث، بل يعيد طرح سؤال العلاقة بين السينما والتاريخ، وبين السرد الفني والذاكرة الوطنية. هنا لا يظهر الفلسطيني كضحية فقط، بل كفاعل تاريخي، صاحب قرار وموقف، وهو طرح نادر نسبيًا في السينما العالمية التي اعتادت تناول القضية الفلسطينية من زاوية إنسانية مجردة، تفصلها أحيانًا عن سياقها السياسي.
الفيلم يعتمد بناءً بصريًا أقرب إلى الملحمة، ويُراهن على استعادة زمن مغيّب من السرد الدولي، ما يمنحه قيمة مزدوجة: فنية من حيث الطموح الإنتاجي، وسياسية من حيث إعادة كتابة التاريخ من منظور أصحابه. وصوله إلى القائمة المختصرة لا يبدو مفاجئًا في سياق اهتمام عالمي متزايد بسينما الذاكرة والاستعمار.
«اللي باقي منك»: الذاكرة العائلية بوصفها تاريخًا بديلًا
في الفيلم الأردني «اللي باقي منك»، لا يأتي التاريخ عبر الشعارات أو الأحداث الكبرى، بل من خلال العائلة، والعلاقات، وتعاقب الأجيال. الفيلم يشتغل على فكرة ما يتبقى من الإنسان بعد أن يعبره الفقد، والهجرة، والانكسار، ويحوّل الحكاية الشخصية إلى مرآة لهوية جماعية مأزومة.
قوة الفيلم تكمن في هدوئه، وفي ابتعاده عن المباشرة، واعتماده على سرد زمني متشظٍ يعكس طبيعة الذاكرة نفسها. وهو نموذج لسينما لا تصرخ، لكنها تراكم أثرها بهدوء، وتقدّم حكاية فلسطينية – أردنية بلا ادعاء تمثيل شامل، لكنها صادقة في تفاصيلها الإنسانية. هذا النوع من الأفلام غالبًا ما يجد صدى لدى لجان الاختيار، لأنه يوازن بين الخصوصية المحلية والقابلية للتلقي العالمي.
«صوت هند رجب» ..الصوت شهادة لا تمحى
أما الفيلم التونسي «صوت هند رجب» فيقف عند منطقة شديدة الحساسية أخلاقيًا وفنيًا. الفيلم ينطلق من تسجيل صوتي حقيقي لطفلة فلسطينية استغيث بها أثناء العدوان على غزة، ويجعل من الصوت محورًا سرديًا كاملًا. هنا تغيب الصورة التقليدية، لتحل محلها قوة الصوت بوصفه وثيقة، وذاكرة، واتهامًا مفتوحًا.
وجود هذا الفيلم في القائمة المختصرة يعكس اهتمام الأكاديمية بأشكال سينمائية غير تقليدية، وبالأعمال التي تضع المشاهد في مواجهة مباشرة مع الواقع، لا عبر التمثيل، بل عبر الأثر.
«كعكة الرئيس».. السلطة كما تُرى من عين طفلة
الفيلم العراقي «كعكة الرئيس» يعود إلى تسعينيات العراق، زمن الحصار ونظام الحكم الشمولي، من خلال حكاية تبدو بسيطة: طفلة تُجبر على إعداد كعكة احتفالًا بعيد ميلاد الرئيس. من هذه الفكرة الصغيرة، يبني الفيلم عالمًا كاملًا من الخوف، والرقابة، والامتثال القسري.
وصول «كعكة الرئيس» إلى القائمة المختصرة يُعد إنجازًا للسينما العراقية، ورسالة بأن القصص الصغيرة، حين تُروى بذكاء، قادرة على تمثيل تجارب كبرى دون صخب.
دلالة الحضور العربي.. اعتراف أم نمط مكرر؟
رغم أهمية وجود أربعة أفلام عربية في قائمة واحدة، يبقى السؤال النقدي مطروحًا: هل يعكس هذا الحضور اعترافًا حقيقيًا بتطور السينما العربية، أم أنه محكوم بنمط محدد تفضله الأكاديمية، يقوم على الحروب، والضحايا، والذاكرة الجريحة؟
الواضح أن الأفلام الأربعة تنتمي، بدرجات متفاوتة، إلى سينما الوجع السياسي والإنساني، وهو ما يفتح نقاشًا حول تنوع الصورة التي تقدمها السينما العربية للعالم. لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل أن هذه الأعمال.