فرح نصور (صحيفة اللنهار)
في عالم يتسارع بإيقاع يفوق قدرة الإنسان على اللحاق به، لم تعد بيوتنا مجرّد أماكن نعيش فيها، بل تحوّلت إلى ملاذ نلجأ إليه لاستعادة توازننا وحماية صحتنا النفسية. من هنا، يبرز مفهوم الـ Design for Wellbeing، أي التصميم الذي يراعي راحة الإنسان واحتياجاته العاطفية والحسية، فيحوّل المنزل من مساحة وظيفية إلى مصدر للهدوء والطاقة الإيجابية.
تؤكّد الدراسات الحديثة أنّ البيئة المحيطة بنا تؤثر مباشرة في المزاج ومستويات التوتر وحتى الأداء اليومي. فقد أظهرت دراسة Life at Home in the Twenty-First Century أنّ الفوضى البصرية داخل المنزل ترفع مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) وتؤثر سلباً على المزاج، بينما تساهم المساحات المرتّبة والدافئة في خفض التوتر وتحسين الأداء النفسي.
وفي دراسة بعنوان The National Human Activity Pattern Survey (NHAPS)، تبيّن أنّ 87 في المئة من وقت البشر يُقضى داخل المباني، مقابل 6 في المئة داخل السيارات و7 في المئة في الأماكن الخارجية. وبما أنّ الغالبية العظمى من وقتنا نقضيها في الأماكن الداخلية، من المفترض أن تكون هذه المساحات مصمَّمة بما يخدم صحتنا النفسية والجسدية معاً، كما توضح مهندسة التصميم الداخلي آلاء مكي في حديث لـ"النهار".
تغيّر مفهوم البيت بعد جائحة كورونا، إذ لم يعد مجرّد مكان للراحة بعد يوم عمل طويل، بل أصبح مساحة متعددة الوظائف، أبرزها العمل من المنزل، ما جعل التصميم الداخلي عاملاً مؤثراً في رفاه الأفراد وراحتهم النفسية.
وتدخل عناصر عدّة في التصميم الداخلي للبيت، وكلّها تؤثر بشكل مباشر على نفسية الشخص وراحته.
الإضاءة أساس
تُعدّ الإضاءة، ولا سيما الطبيعية منها، عنصراً أساسياً في التصميم المريح. فدخول ضوء الشمس إلى المنزل ضروري، في حين أن غيابه أو حجبه قد يؤدي إلى تغيّر المزاج والشعور بالاكتئاب. وفي المنزل المريح، يُفضّل وجود ثلاثة مصادر للإنارة، إلى جانب ضوء النهار: الإضاءة العامة، والإضاءة الوظيفية مثل مصابيح القراءة، والإضاءة الموجّهة لإبراز زاوية أو تصميم معيّن.
وتكمن الراحة القصوى في القدرة على التحكّم بقوة الإضاءة بما يتناسب مع طبيعة النشاط، سواء كان حركياً أو هادئاً. وفي الغرف التي تفتقر إلى ضوء النهار، يمكن استخدام المرايا لعكس الضوء وتعزيز الإضاءة. كما أنّ الإضاءات الحديثة تراعي الساعة البيولوجية للإنسان، إذ يمكن برمجتها لتتكيّف تلقائياً مع تغيّر ضوء الشمس، ما يساعد على تنظيم النوم.
الخَضار يعني الحياة
يُعدّ الخَضار من أهم العوامل التي تعزّز راحة الشخص داخل منزله، ضمن ما يُعرف بال. Biophilic Design فوجود النباتات يساهم في تحسين المزاج وتقليل التوتر، إضافة إلى تنقية الهواء. ومن النباتات المناسبة للمنازل: Snake Plant، Spider Plant، Aloe Vera وLavender.
التهوئة وجودة الهواء
تعاني معظم المنازل من وجود العفن غير المرئي، الذي يؤثر سلباً على جودة الهواء وصحة السكان، ويُشعرهم بالتعب وعدم الراحة. لذلك، من المهم اختيار مواد خالية من المركّبات العضوية المتطايرة (VOC) ، الموجودة في بعض المواد المصنَّعة. كما يجب الحرص على تدفّق الهواء النظيف من الخارج، أو الاستعانة بأجهزة تنقية الهواء عند الحاجة.
Design Layout
يُعدّ ترتيب المساحة بما يتناسب مع وظيفتها عاملاً أساسياً في خلق طاقة إيجابية، وهو ما يتقاطع مع علم الـ Feng Shui الصيني، القائم على تحقيق الانسجام وتدفّق الطاقة. فمثلاً، لا يُفضّل وضع السرير تحت النافذة، بل مقابل الباب.
كما يُنصح بتجنّب تكديس الأثاث، إذ إن المساحات المنظَّمة تسهّل الحركة وتمنح راحة بصرية ونفسية. وتُعدّ مساحات التخزين غير المرئية ضرورية للتقليل من الفوضى، لأن الدماغ يتأثر سلباً برؤية الازدحام البصري.
نصائح مكمّلة
من المفيد تخصيص زاوية روحية للتأمّل أو الصلاة أو ممارسة هواية بعيداً عن ضغوط الخارج، على أن تعتمد ألواناً مهدئة مثل الأزرق أو الأخضر. أما مساحة العمل في المنزل، فيُستحسن أن تكون ألوانها دافئة لتعزيز التحفيز والإبداع.
ويُنصح باختيار الخشب ذي العروق الناعمة والألوان الفاتحة، واستخدام المواد الطبيعية مثل الخشب، الأحجار، والأقمشة الطبيعية، إضافة إلى الألوان الترابية والهادئة، والابتعاد عن الزوايا الحادة لصالح الأشكال المنحنية.
ويبقى الأهم في Design for Wellbeing أن يعكس التصميم شخصية صاحب المنزل ونمط حياته، ليصبح البيت مساحة حقيقية للراحة والتوازن.