في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان البندقية» المستمرّ حتى السابع من أيلول (سبتمبر)، يبدأ المخرج الأسترالي جاستن كورزل، فيلمه «الأمر» (The Order)، بمشهد لبيرغ (مارك مارون)، وهو يتحدث في برنامجه عن العنصرية، ويناقش أحد العنصريين البيض. لكن الفيلم لا يتناول بيرغ بالتحديد، بل فترة السنتين 1983-1984، مذكّرًا إيانا بأن مقتل بيرغ كان فقط المرحلة الخامسة من المراحل الست التي يصوّرها كتاب «مذكرات ترنر» (The Turner Diaries)، للكاتب النيو نازي ويليام لوثر بيرز (الكتاب متوافر في المكتبات في جميع أنحاء العالم). هذا الكتاب الذي نُشر عام 1978، وقُدِّم على أنه قصة للأطفال، ليس إلا خطة نظرية لتحرير الولايات المتحدة الأميركية من اليهود والأميركيين الأفارقة عبر ستّ خطوات. الخطوة الأخيرة من الكتاب هي الاستيلاء على مبنى الكابيتول (كان أنصار اليمين المتطرف ومؤيدو ترامب الذين غزوا الكابيتول يحملون هذا الكتاب ذي الغلاف الأحمر في أحزمتهم).
بالعودة إلى فيلم كورزل، الذي يشير عنوانه إلى اسم جماعة نازية جديدة يقودها بوب ماثيوز (نيكولاس هولت)، الزعيم الرمزي لميليشيات خططت وقتها باسم التفوّق الأبيض لتخريب الديموقراطية الأميركية من الداخل، فإنّه يبدأ في العام 1983، عندما وقعت سلسلة من عمليات السطو على المصارف، وتزييف العملات، والانفجارات وسرقة المركبات التي تنقل المال، في شمال غربي الولايات المتحدة. وسط ارتباك سلطات إنفاذ القانون التي تكافح من أجل العثور على إجابات، توصّل عميل في مكتب التحقيقات الفدرالي يدعى تيري هاسك (جود لو)، الذي انتقل للتو إلى أيداهو، بمساعدة شرطي محلي يدعى جايمي بوون (تاي شيريدان)، إلى أنّ هؤلاء ليسوا مجرمين عاديين متعطشين للمال، لكن مجموعة إرهابية تتبع زعيمًا متطرفًا عنصريًا، وتخطّط لحرب مدمّرة ضد حكومة الولايات المتحدة. هذه الجماعة المتطرفة، انفصلت عن Aryan Nation النازية، لتكون ميليشيا وتبدأ عملها الفعلي على الأرض.
فيلم «الأمر» يجمع كل ما سبق في قالب فيلم بوليسي تشويقي يتّسم بالكثير من المطاردات وإطلاق النار والعنصرية. الأمر كلّه يدور حول مطاردة بوب ماثيوز. لا تتوقع من الفيلم تحليلات أنثروبولوجية ثقافية لسياق الشخصيات، ولا تحليلات فردية، ولا شخصيات معقدة، يبدو كأن كورزل ليس لديه الكثير من الوقت ليضيعه على ذلك. «الأمر» فيلم سطحي في مكان ما، رغم قصته الحقيقية المهمة. إنه فيلم من نوعية الأفلام التي تنتجها هوليوود، تحافظ فيها على شباك التذاكر، تدخل فيها سباق الأوسكار، ضمن توقّعات مشروعة. فيلم بمنزلة طلقة تحذيرية لما حدث وما يمكن أن يحدث، وخصوصًا في المناخ الانتخابي الأميركي الساخن جدًا.
إن الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة، له تاريخ أكثر تعقيدًا وأطول ممّا نعتقد. مقاربته بهذه الطريقة السخيفة مخيّب للآمال كثيرًا. يعمل كورزل بطريقة كلاسيكية جدًا، من دون مفاجآت، ويعتمد تقريبًا على المصادفات. يلعب كورزل بالأوراق بين يديه، بطريقة جيدة، يبني حبكته حول رجلين يعيشان في الواقع كضحايا للنظام الأميركي نفسه. ليس الفيلم دقيقًا جدًا، مشوّقًا في بعض حالاته، لكنه يترك داخلنا شيئًا من عدم اليقين. والسؤال: هل هذا الفيلم يدعو إلى رفض العنصرية أو يهلّل لها، وخصوصًا في مشهده الأخير؟ طبعًا ليس هناك سوء نية، ولكن طريقة تقديم الفيلم قد تأتي بنتائج عكسية، عدا عن أن مبيعات كتاب «مذكرات ترنز» سوف ترتفع كثيرًا بعد عرض الفيلم في الصالات.