تواصل إسرائيل الضغط على «حزب الله»، من خلال القصف الجوي المستمر، وخصوصاً الذي يطاول الضاحية الجنوبية لبيروت، بالتوازي مع محاولات التقدّم براً في القرى الحدودية الأماميّة، بهدف تهجير سكان هذه القرى، وإقامة «منطقة أمنية عازلة» للمستوطنات الشمالية، في عملية «محدودة» يجري التداول في أوساط المراسلين العسكريين أنها ستتواصل لأسابيع. وبالرغم من أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تؤشر إلى أن هذه الحرب هي «حرب وجود»، يُراد لها أن تُغيّر وجه الشرق الأوسط ليلائم المستقبل الإسرائيلي في المنطقة، يدّعي المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن الضربات الموجّهة الآن إلى القيادة البديلة للحزب، «هدفها دفع الأخير إلى القبول بتسوية تنهي الحرب، من دون أن تتمكن القوات البريّة من إتمام مهمتها»، فيما لا ينعكس ذلك في تصريحات القادة السياسيين والعسكريين حتى الآن، بموازاة تصعيد إقليمي غير مسبوق في انتظار الرّد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني يوم الثلاثاء الماضي، على قواعد جوية وعسكرية وأمنية، علماً أن القصف الصاروخي الذي تنفذه المقاومة «لا يزال أقلّ مما توقعت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، والتي قدرت أنه سيصل إلى آلاف الصواريخ يومياً، وبينها مئات على منطقة المركز». وتدّعي إسرائيل أن ذلك يرجع إلى عملياتها المتواصلة والتي «عطّلت من قدرة الحزب» على القيام بقصف مكثف.أما بالنسبة إلى الدخول البري إلى لبنان، فهو عملياً يكسر، وفقاً لهرئيل، «تابو 18 عاماً، بعد الفشل الذي منيت به إسرائيل في (عدوان) تموز 2006». وفي هذا الإطار، يحيط جيش الاحتلال عملياته بالكثير من الضبابية، ولا سيما بعد معارك الثلاثاء التي قُتل خلالها تسعة جنود إسرائيليين وأصيب آخرون في ثلاثة مواقع مختلفة، وكانت أقساها المعركة التي شارك فيها جنود من وحدة «إيغوز» النخبوية، وقتل ستة منهم. وعلى أي حال، يرى هرئيل أن حجم العمليات يؤشر إلى الآن إلى أن «العملية محدودة» قياساً بعديد القوات التي استدعتها إسرائيل، ومن ضمنها ألوية احتياطية كثيرة، سبق لها أن شاركت على مدى عامٍ كامل في المناوة البرية في قطاع غزة. وهذه العمليات، وفقاً للكاتب، «لا تشير حالياً إلى رغبة في احتلال القرى الواقعة جنوبيّ الليطاني»، على اعتبار أن ذلك «يحتاج إلى قوات عسكرية كبيرة».
ونشرت صحف عبرية تقارير عمّا سمّته «سيناريوات هزيمة 2006 تؤرق قادة إسرائيل»، مشيرة الى أن «الاجتياح البريّ يشكّل «هاجساً» وقلقاً كبيراً، في ظل الماضي، الذي وجدت فيه «إسرائيل» نفسها تنتقل بحكم تعقيد الواقع الميداني إلى تحوّل حتمي في عملياتها البرية إلى عملية برية بلا سقف وبلا نهاية وبلا إجابات نهائية عن الواقع الذي سعت لفرضه في جنوب لبنان، وباء بالفشل في نهاية المطاف».
التحفّظ حيال الأهداف ينقل الحديث عن أن الحرب تهدف إلى فرض التسوية على حزب الله
وحذّر اللواء في احتياط الاحتلال الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، عوزي دايان، من أن «لدى إسرائيل تجربة، بحيث يجب دائماً تذكّر ما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله في لبنان». أما رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، آل يعقوب عميدرور، فقال إنّه «في عام 2006، كانت هناك عملية فاشلة من الناحية العسكرية، وفي هذه العملية يجب أن يكون واضحاً تماماً ما تريده الحكومة، وما هي خطط الجيش من أجل إنجاز ذلك»، مشيراً إلى أنّ «ما يقوم به الجيش حالياً يشبه عام 1978 أكثر من فترة الحزام الأمني». وذلك تعقيباً على ما قالته «كان» عن أنّ «التاريخ يعلّم إسرائيل ويحذّرها من أنّ الوحل اللبناني عميق ومغرق». بدوره، قال غاي تسور، قائد ذراع البر سابقاً، لقناة «كان» إنّه «يمكن أخذ قرار بعدم وجود حزب الله، ولكن ممنوع القيام بذلك وحدنا، بل يجب ضم دول لها تأثير على حكومة لبنان». ولفت تسور إلى أنّ «تصرّف حزب الله منذ عام 1982 هو تصرّف مشابه جداً، أي أنّه لا يهرب، بل يعتمد على تمركز مع نيران من بعيد ومن أماكن استتار»، مضيفاً أنّ «الأمر لن يكون مختلفاً، وسنتكبّد أثماناً وسيسقط قتلى... الحرب هي الحرب».
ونقل مُحلِّل الشؤون الاستخباراتيّة في «يديعوت أحرونوت»، روين بيرغمان، عن مسؤول أمني كبير قوله: “إذا لم تتوجّه إسرائيل نحو اتفاقٍ الآن، ومن المُفضّل في الجنوب، لأنّ الاتفاق في الشمال صعب جداً، فإنّها ستجِد نفسها أمام حرب استنزافٍ خطيرةٍ، في حال اكتفى «حزب الله» بإطلاق صاروخَين ومقذوفةٍ واحدةٍ في اليوم، لأن البديل هو اجتياح بريّ واسع النطاق في لبنان، ليس فقط لإنشاء منطقة عزلٍ صغيرةٍ بين القرى الشيعيّة في الجنوب والمستوطنات الإسرائيليّة في الشمال، وإنّما من أجل تدمير أقسامٍ من حزب الله، وإقامة منطقةٍ آمنةٍ»، مضيفاً أنه «إذا كان هناك في إسرائيل مَنْ يُريد الدخول في فخّ أو كمين الموت المذكور أعلاه، فإنّ الأمل الوحيد المتبقي لنا هو أن نجِد المسؤول الذي يمنع حلول هذه الكارثة للدولة العبريّة».