ليست الجهات المحلية المعارضة لحزب الله من يستعجل استثمار الحرب الإسرائيلية فقط، بل يبدو أن الفريق الذي تقوده الولايات المتحدة، مدعومة من فرنسا وبريطانيا والسعودية، يتصرف على أساس أن لبنان «يمرّ بلحظة مناسبة لتحصيل مكاسب سياسية يمكن أن يكون لها تأثيرها حتى على مسار الحرب الإسرائيلية».ونقلت مصادر ديبلوماسية من واشنطن أن الموفد الرئاسي عاموس هوكشتين والمستشار الرئاسي برت ماكغرك يدعمان بقوة «إبلاغ الجهات السياسية اللبنانية بأنه حان الوقت لانتخاب رئيس للجمهورية يقدر على التعامل مع الأحداث الجارية ويحظى بثقة المجتمع الدولي». وتضيف المصادر أن هذا الفريق «يعتبر أنه لا يوجد الآن مرشح آخر غير قائد الجيش العماد جوزيف عون لتولي هذه المهمة، فهو يحظى بدعم كل الخارج، وقسم كبير من الداخل، ومن يعارضه قوى تدور في فلك حزب الله، والأخير يخسر كل أوراقه سريعاً وليس لديه القدرة على فرض أيّ شرط، بينما سيعتبر اللبنانيون أن عرقلته انتخاب سريع للعماد عون سبب في استمرار الأزمة».
ومع أن الديبلوماسيين يتحدثون عن أن «أهداف إسرائيل لا تتعلق بهوية الرئيس الجديد، وأن القدرة على وقف الحرب مستحيلة الآن»، إلا أنهم ينقلون عن المسؤولين الأميركيين أن «مسارعة اللبنانيين الى انتخاب عون وتشكيل حكومة، لا يملك فيها حزب الله وحلفاؤه الثلث المعطل، سيساعد في إقناع إسرائيل بوقف الحرب وإيجاد تسوية سياسية عامة، تشمل ترتيبات جديدة في الجنوب ومن دون الحاجة الى إصدار قرار غير القرار 1701».
وتتصرف قوى لبنانية قريبة من فلك الأميركيين على أساس أن «هذا التغيير حاصل حتماً»، انطلاقاً من «اقتناعها بأن حزب الله يواجه أزمة كبيرة، وأن الأميركيين قالوا لهم إن الحزب خسر أكثر من 70 في المئة من موارده القيادية والعسكرية والمادية، ولن تحتاج إسرائيل الى وقت طويل حتى تجهز على مجموعاته العسكرية في الجنوب». ولفت في هذا السياق، الحديث عن اتصال هاتفي جرى بين النائبة ستريدا جعجع والنائب السابق وليد جنبلاط، دعته الى السير في تسوية «تحفظ ما تبقى من الحزب»، فيما رد جنبلاط عليها بأن من يفكر بهذه العقلية «يعتقد أننا أمام تكرار لتجربة عام 1982، وهو أمر يخالف الوقائع». ونصح جنبلاط جعجع بالتركيز على سبل وقف الحرب قبل أيّ شيء آخر، محذّراً من «مغامرة التفكير في عزل أيّ فريق آخر، والتقليل من حجم حزب الله وقوته».
وفي هذا السياق، نقل موقع «إكسيوس» عن مسؤولين أميركيين أن «البيت الأبيض يُريد استغلال ضعف حزب الله لانتخاب رئيس جديد، وأن إدارة جو بايدن تعتقد أن بالإمكان فعل ذلك».
وفي وقت لاحق، قال هوكشتين، عبر موقع «أكس»، إن «هناك الكثير من التقارير الخاطئة وغير المسؤولة (التي انتشرت) خلال الأيام القليلة الماضية»، نافياً أن تكون الولايات المتحدة قد أعطت «الضوء الأخضر للعمليات العسكرية في لبنان». واعتبر هوكشتين أن «في النهاية، لن يسمح للسكان بالعودة إلى ديارهم غير الحل الدبلوماسي».
جنبلاط حذّر جعجع من الرهان على تكرار تجربة 1982 والقوات تعارض مقترح عين التينة الرئاسي
وقد لاقت قوى محلية التسريبات الأميركية حيال التسوية الرئاسية، ولا سيما «القوات اللبنانية» التي بدأت العمل على «عرقلة وتعطيل المحاولات التي أطلقها اجتماع عين التينة بمشاركة بري وميقاتي وجنبلاط»، مدّعية أن «الفريق الآخر هو من يتحمل مسؤولية التعطيل بوضعه الشروط». وقالت القوات في بيان لها «ما إن أبدت القوات والمعارضة كل إيجابية، كالعادة، حتى راح الفريق الآخر يتراجع شيئاً فشيئاً، بدءاً بربط الانتخابات الرئاسية بوقف إطلاق النار، مروراً بشرط تأمين توافق 86 نائباً، وهذا أمر مستحيل، وصولاً الى اعتبار النائب السابق سليمان فرنجية توافقياً». وعلّقت مصادر بارزة على هذا الكلام بأن «القوات والمعارضة حالياً تريدان تفخيخ أيّ مبادرة داخلية لأنهما تراهنان على نجاح إسرائيل في القضاء على الحزب وتعتقدان بأنّ أيّ مبادرة داخلية ستكون بمثابة خطوة تريح الحزب في الداخل وهذا ما لا تريده القوات ولا من يديرها في المملكة العربية السعودية».
وسط هذه الأجواء، فإن الثابت الوحيد الذي تتقاطَع عنده تقديرات القوى السياسية هو «أن القرار الإسرائيلي واضح باستمرار الحرب، وأن هدف العدو هو القضاء على حزب الله بكل المستويات، وليس بنيته العسكرية فقط». ولا تملِك هذه القوى غير سيناريو سوداوي تتحدث عنه لشرح مشهد المرحلة المقبلة، حيث «لا يُمكن التنبؤ بتاريخ انتهائه، لا بل هو مسار طويل ولا أفق له». ورغمَ الحركة الديبلوماسية الخارجية المكثفة التي تجري في موازاة حراك داخلي يدفع باتجاه ترتيب الاستحقاقات الداخلية، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، فإن تحقيق اختراق في هذا الشأن لا يزال مستحيلاً حتى اللحظة.
وكشفت مصادر مطّلعة على الاتصالات الجارية أن «اللغة التي يستخدمها المسؤولون الغربيون والعرب تنطلق كلها من أن المقاومة في لبنان انتهت»، لكن لكل جهة أسلوبها في طرح ما تريد. وبينما تتحدث الولايات المتحدة والغرب بصراحة عن أن المطلوب ليس تنفيذ القرار 1701، وإنما القرار 1559»، انضمت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات إلى هذا الجناح الذي يتحدث بوضوح عن نظام سياسي جديد في البلد يدخل تعديلات جوهرية على تمثيل الطائفة الشيعية، مع استبدال شخصياتها المعروفة بشخصيات «تكنوقراط». فيما تتخذ الدوحة والقاهرة أسلوباً مغايراً عبر عرض مغريات مقابل تنازلات تقدمها المقاومة. وتعارض الدوحة والقاهرة خطة الرياض في ما يتعلق بـ«إقصاء حزب الله نهائياً عن السلطة». لكن ذلك لا يلغي أنهما مع الشروع في تطبيق القرارات الدولية التي تستهدف في النهاية سلاح المقاومة. وتعرض الدوحة أن تؤدّي دوراً كبيراً في إعادة الإعمار والاستثمار في لبنان.
والجديد في الحراك الديبلوماسي تمثّل بزيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لبيروت، الذي التقى بري وميقاتي، مؤكداً دعم الجمهورية الإسلامية للبنان. وقال ان بلاده «كانت وستبقى داعمة لحزب الله وللشيعة وللبنانيين»، و«تدعم المساعي الرامية لوقف إطلاق النار، شرط مراعاة حقوق الشعب اللبناني، وأن تكون مقبولة من قبل المقاومة وأن يكون متزامناً مع وقف لإطلاق النار في غزة».