إبراهيم عقيل؛ القائد الضرغام الذي حاولت "إسرائيل" اغتياله عدة مرات، وأصيب ذات مرة، ومرة ثالثة في شباط من العام 2000، قبل تحرير جنوب لبنان بأشهر قليلة، حاولت اغتياله بإطلاق صواريخ أيه جي إم-114 هيلفاير عبر مروحيات أباتشي AH-64 على سيارته حين كان يقودها في جنوب لبنان، لكنّه قفز منها، ثم استهدفته بصاروخ آخر وهو يركض سريعًا مراوغًا إياه.
من هو إبراهيم عقيل هذا الذي يستدعي من "إسرائيل" كل هذا الاستنفار كي تغتاله؟
كبر إبراهيم مع بدايات الحركة السياسية والدينية التي أسسها الإمام المغيّب السيد موسى الصدر. فكان من الجيل المؤسس للعمل الإسلامي في بيروت، فبادر مع مجموعة من رفقائه إلى إنشاء حركة تهدف إلى تغيير الأوضاع الثقافية والسياسية والدينية الى واقع أفضل. فكان عضوًا مؤسسًا وأساسيًا في حركة الجهاد الإسلامي في أوائل الثمانينيات، من القرن الماضي، قبل انضمامه الى حركة المحرومين (حركة أمل)؛ وقبل تأسيس حزب الله. وخلال التصدي للاجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982، قاد عقيل عمليات بطولية في الصفوف الأمامية المواجِهة.
تميز إبراهيم عقيل بتفوقه في التخطيط العسكري والاستراتيجي وحسّه الأمني، فكان من أبرز القادة العسكريين في حزب الله منذ تأسيسه. في العشرين من عمره، شارك بالقيادة، منطلقًا من قدراته الذاتية الاستثنائية، وإبداعاته المبتكرة وجامعًا بين الجانبين العسكري والروحي في توجيهاته وممارساته العملياتية. وفي مطلع التسعينيات، من القرن الماضي، تولى مسؤولية التدريب المركزي في حزب الله، وأرسى قواعد خلّاقة في إعداد وتطوير القدرات البشرية في تشكيلات المجاهدين. تسلم مسؤولية الأركان في حزب الله في منتصف التسعينيات، وابتداءً من العام 1997، صار مسؤولًا عن وحدة عمليات جبل عامل، وقاد ميدانيًا وبشكلٍ مباشر العديد من العمليات النوعية.
وضعته حكومة الولايات المتحدة الأميركية، في العام 1983، على لائحة المطلوبين لمكتب التحقيق الفدرالي بتهمة الضلوع في تفجيري السفارة الأميركية ومقر المشاة البحرية الأميركية في بيروت. وبعد ذلك أصدرت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول)، مذكرات دولية لاعتقاله، لتحميله مسؤولية المشاركة في التخطيط والتنفيذ لسلسلة من التفجيرات التي حصلت في باريس بين عامي 1985 1986، وايضا لإدانته في قضية اختطاف رهائن متعددة الجنسيات في بيروت. وفي العام 2019، صنفته وزارة الخارجية الاميركية إرهابيًا عالميًا، ووضعته على رأس قائمة المطلوبين، مخصصة مكافأة مالية تصل الى سبعة ملايين دولار مقابل الحصول على أي معلومات تدلّ عليه.
أسس الشهيد القائد عقيل ركن العمليّات، في المقاومة الإسلامية، وكذلك قوة الرضوان متوليًا قيادتها بعد استشهاد القائد الأكبر عماد مغنية(الحاج رضوان)، وهي القوة النخبوية التي تشكّلت على أسس من التدريب العالي في المهارات القتالية، فطوَّرها لتصبح قوة متميزة في صفوف المقاومة. وكان عضوًا في المجلس الجهادي لحزب الله، وابتداءً من العام 2008، شغل موقع معاون الأمين العام -السيد حسن نصر الله- لشؤون العمليّات بعد استشهاد الحاج رضوان، ولكنه قبل ذلك كان قائدًا ميدانيًا في مختلف المعارك الكبرى التي قادها حزب الله ضد العدو الصهيوني. لقد عاش الشهيد القائد إبراهيم محمد عقيل حياة صاخبة مليئة بالبطولات، كان شاهدًا على الكثير من التحولات وشريكًا في صناعتها، وخاض في غمارها الصعب فجعل المستحيل ممكنًا، كان ممتلئا بالحركة متجلببًا بالغياب الحي، وظلًا تشّكلت معه أروع معاني الحضور النوراني والتسامي الإنساني، والسيرة التي لا تموت.
بعد اندلاع الحرب الكونية على سوريا، في العام 2011، أدى القائد الحاج عبد القادر دورًا حيويًا في مواجهة التنظيمات الإرهابية، فكان من القادة الذين تولوا إدارة العمليات ضد الجماعات التكفيرية في المناطق السورية كافة، لا سيما في منطقتي القصير والقلمون. كما يُحسب للشهيد القائد عزمه على تحرير الجليل في شمال فلسطين المحتلة، ووضع الركائز الأساسية لخطة السيطرة عليها.و كانت قضية اقتحام الجليل تنعكس في عمله ضمن المسار القتالي لقوة الرضوان، محددًا الخطط العسكرية، ومعدًا للسيناريوهات المحتملة، وراسمًا معالم طريق التحرير، متيقنًا من تحقيق ذلك، بانتظار الأمر من سماحة الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله لتنفيذها.
في العشرين من أيلول الفائت، ترجّل الفارس الشهيد إبراهيم عقيل عن قيادته عن عمر ناهز اثنتين وستين عامًا من الحياة الزاخرة بالنضال والجهاد والعطاء وعشقه الإلهي للدعوة الإسلامية ولصاحب الزمان(عج) وللسيد حسن نصرالله، والذي كان يصفه بصديق الروح والصادق الأمين.. لقد خلف لنا هذا القائد المئات من إبراهيم عقيل.. والوعد بالنصر سيتحقق بسواعد هؤلاء الأبطال.