"يجب أن يحتوي برنامج بازل على عبارة «فلسطين الكبرى» أو «فلسطين والأراضي المجاورة لها» وإلّا فهو بلا معنى»
(ديفيس تريتسش ـــ قائد صهيوني - 1899)
«هدفنا تحطيم لبنان وشرق الأردن وسوريا. النقطة الضعيفة هي لبنان. وبعد ذلك، سنحطّم الفيلق العربي ونقضي على شرق الأردن ونُسقط سوريا، ثمّ نقصف ونتقدّم لنأخذ بورسعيد والإسكندرية وسيناء»
(دافيد بن غوريون ــــ مؤسّس الكيان الصهيوني وأوّل رئيس حكومة له – 1948)
«كلّ ما هو بين الليطاني وإسرائيل يجب أن يكون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي»
(أڤيغدور ليبرمان ـــ
رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» - 2024)
«صيدا مكان جيّد من كلّ النواحي. الموادّ الخام متوافرة، يوجد ميناء، موقعها مناسب، وهي قابلة للتطوير»
(حاييم وايزمان ـــ رئيس منظّمة الصهيونية العالمية وأوّل رئيس للكيان الصهيوني - 1907)
«المستقبل الاقتصادي الكامل لفلسطين يعتمد على إمدادات المياه التي يجب أن تأتي بشكل رئيسي من منحدرات جبل حرمون، ومن منابع نهر الأردن ومن نهر الليطاني»
(حاييم وايزمان ـــ 1919)
حين لا يتورّع كيان الاحتلال عن استعراض أهدافه التوسّعية كلّ يوم، تبقى هذه الأحلام خارج التغطية الإعلامية بشكل كبير، ولا سيّما في الغرب. لم يعد من حاجة إلى الدراسات والتحاليل لإبراز حجم ارتباط غالبية الإعلام في الغرب بالمصالح الصهيونية والترويج لسردية الاحتلال. في الأشهر الأخيرة، أبرز الإعلام هذا الدور بنفسه، وورد الكثير عنه على هذه الصفحات. يعظّم هذا الإعلام من شأن الصوت الصادر عن الاحتلال مقابل تجاهل صوت مَن يتعرّض للاحتلال والإبادة الجماعية. يغيّر في التغطية والعناوين خدمةً لمعاييره المزدوجة. يكذّب ويختلق القصص لتبرير الإبادة الجماعية.
يضلّل الجماهير ويعدّل في تصويره الحقيقة ويعتّم عليها. يتجاهل شرح سياسات يعتمدها كيان الاحتلال مثل «الأرض المحروقة» و«عقيدة الضاحية» و«توجيه هنيبعل» وغيرها. اللائحة تطول، لكنّ الجريمة الأكبر تقع في التعتيم على نوايا الكيان توسيع احتلاله لتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى»، رغم إعلانها من جهات عليا داخل الكيان وانتشارها على نطاق واسع، وحتّى وضع الجنود الخريطة المزعومة على بدلاتهم!
هكذا مثلًا، يمرّ تصريح لوزير مالية الكيان بتسلئيل سموتريتش في وثائقي وهو يحلم بتوسيع الاحتلال ليشمل «الأرض الموعودة» في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن والعراق والسعودية، فيما لا تجد وسيلة إعلامية غربية واحدة تشير ولو عرضًا إلى تصريح مماثل، بل حتّى إعلام الدول المنوي احتلالها غائب بأكثريّته كأنّه غير معني. لم تكن المرّة الأولى التي يُظهر فيها سموتريتش نواياه، فقد سبق أن أثار الجدل في آذار (مارس) 2023 عندما ألقى خطابًا في باريس وعلى منبره خريطة «إسرائيل الكبرى».
موقف سموتريتش ليس الوحيد طبعًا، لكنّه صادر عن أحد أكبر المسؤولين في الكيان والمؤثّرين في اتّخاذ قراراته، ما يعكس تجذّر هذا المنطق ليس لدى اليمين الديني المتطرّف الذي يمثّله سموتريتش فقط، بل أيضًا لدى غالبية الأطراف في الكيان بمن في ذلك الأحزاب والمستوطنون والحاخامات، وهم أساسًا يتبنّون الفكرة التي تأسّس عليها الكيان ومن قبله الحركة الصهيونية، وهو ما آمن به الآباء المؤسّسون أمثال بن غوريون وثيودور هرتزل من قيام مشروع «إسرائيل الكبرى»، وتمظهر أيضًا في الخريطة التي عرضها رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو أمام مجلس الأمن.
على منصّات التواصل الاجتماعي، ينشر اللبنانيّون دلائل كثيرة على نيّة الاحتلال بتوسيع احتلال الأراضي اللبنانية، لكن كأنّهم يصرخون في القفار. احتلال لبنان ليس جزءًا من مشروع «إسرائيل الكبرى» فقط، ولا يتعلّق بحجّة «الدفاع عن النفس» التي يردّدها الصهاينة وحتّى بعض اللبنانيّين، بل وراءه أيضًا حلم بالوصول إلى مياه نهر الليطاني، وهو أمر طرحه قادة الحركة الصهيونية عام 1919 إبّان اتّفاقية سايكس ــ بيكو ورُفض. وفي مقال نشره في عام 1995، كتب المؤرّخ الإسرائيلي إيال زيسر أنّ مسؤولين صهاينة اجتمعوا مع شخصيّات مارونية لبنانية قبل أيّام قليلة من قيام دولة «إسرائيل» لمناقشة إمكانية تنازل لبنان عن أجزاء من جنوبه للكيان الوليد، بحجّة أنّ ذلك سيخلق توازنًا ديموغرافيًا أكثر ملاءمة للموارنة في لبنان. في أيّار (مايو) عام 1955، أثيرت المسألة في اجتماع بين رئيس الوزراء موشيه شاريت ووزير دفاعه دايفيد بن غوريون ورئيس الأركان موشيه ديان.
وفقًا لشاريت، اقترح بن غوريون ودايان ضمّ الأراضي الواقعة جنوب نهر الليطاني، بما فيها مدينة صور، وإقامة نظام موالٍ لإسرائيل في بيروت. الأحداث التي وقعت لاحقًا تؤكّد هذه الأطماع، وتعرّي كلّ الحجج الزائفة التي اجتيح لبنان تحت عنوانها، وما زالت تُستخدم حتّى اليوم وآخرها في محاولة التوغّل البرّي المستمرّة بهدف إقامة «منطقة عازلة» حتّى الليطاني. محاولات تتصدّى لها المقاومة فيما يلاقي بعض مَن في الداخل الكيان بحججه.
بعض ممّا استفزّ اللبنانيّين، ونشروه على نطاق واسع كان الموقع الإلكتروني لحركة «أوري تسافون»، وهو أساسًا عنوان آية توراتية يعني حرفيًّا «استيقظ يا شمال». شمل موقع الحركة التي تهدف إلى إنشاء مستوطنات إسرائيلية في جنوب لبنان، خريطة للجنوب مع تغيير أسماء القرى لتتماشى مع العبرية، وصور منازل يزعم أنّها ستُقام في لبنان، وعرض العقارات للبيع، فيما يدّعي إيلياهو بن آشر، أحد مؤسّسيها، أنّ «ما يسمّى بجنوب لبنان هو في الواقع وببساطة مجرّد شمال الجليل».
علمًا أنّ الحركة أسّسها جندي في الاحتلال كان يحلم بالاستيطان بنفسه في لبنان، قبل أن يُقتل في مقبرة الغزاة غزّة. وفيما كانت هذه الحركة لا تزال تثير الجدل لدى اللبنانيّين، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي مقالًا بالإنكليزية للكاتب مارك فيش تحت عنوان «هل لبنان جزء من أراضي إسرائيل الموعودة؟». يدّعي المقال أنّ الأرض «التي وعد الله بها بني إسرائيل تشمل أجزاءً من إسرائيل الحديثة والضفّة الغربية وغزّة ولبنان وسوريا والأردن والعراق وحتّى تركيا». واستشهد فيش بنصوص دينية لدعم مزاعمه، مدّعيًا: «يقدّم التوراة إرشادات واضحة في ما يتعلّق بالمناطق التي أُمرنا باحتلالها عند الاستيلاء على الأرض. الحدود التوراتية تمتدّ من نهر مصر (أي النيل) إلى نهر الفرات». سرعان ما أثار هذا المقال الغضب الواسع ليس لدى اللبنانيّين فقط، بل حول العالم، ما دفع الصحيفة إلى إزالته عن موقعها الإلكتروني. أيضًا، انتشر مقطع للكاتب الصهيوني آڤي لپكين خلال مقابلة تلفزيونية وهو يتوعّد بأنّ «حدودنا ستمتدّ من لبنان إلى الصحراء الكبرى، أي السعودية، ومن المتوسّط إلى الفرات. وماذا على الطرف الآخر من الفرات؟ الأكراد. والأكراد هم أصدقاء.
إذًا لدينا المتوسّط خلفنا، والأكراد أمامنا، ولبنان الذي يحتاج إلى مظلّة حماية إسرائيل على أيّ حال، ثمّ سنأخذ مكّة والمدينة المنوّرة وجبل سيناء، ونطهّر هذه الأماكن». وانتشر مقطع آخر لأحد الجنود في تصريح خلال جنازة أحد زملائه توعّد فيه بطرد الفلسطينيّين «من أرضنا، لأنّ هذه أرضنا، ولبنان أرضنا، وغزّة أرضنا. من المستحيل ألّا نخرجهم، هؤلاء، الذين يدنسون يومًا بعد يوم جبل الهيكل وأورشليم وكلّ مكان يطؤونه. سنطردهم من هنا. كما قال ثيودور هيرتزل: إن رغبت بالأمر فهو ليس حلمًا. ليس حلمًا لأنّنا سنرميكم من هنا. هيّا بنا ننهي المهمّة، دعونا ننهي المهمّة!».
تأكيدًا على تطابق هذه الأحلام مع ما يحصل على أرض الواقع، نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية أخيرًا تقريرًا بعنوان «مسؤولو دفاع إسرائيليّون: الحكومة تدع صفقة الرهائن جانبًا وتضع ضمّ غزة في الاعتبار». وينقل التقرير عن «مسؤولين كبار في الدفاع» أنّ عمليّات «جيش» الاحتلال الأخيرة في شمال غزّة هدفها إجبار السكّان على النزوح جنوبًا عبر إستراتيجيّات التجويع والترويع، كجزء من «استراتيجية محسوبة».
إذا كان هناك في هذه المنطقة مَن يتوهّم بأنّ كيان الاحتلال سيتركه وشأنه ويراهن على أنّ احتلال بلده سيريحه من خصومه الداخليّين، عليه أن يعي المشاريع الحقيقية لهذا المشروع الاستعماري الاستيطاني التوسّعي المبني على التفوّق العرقي، ويتّعظ من تجارب الماضي. الدلائل والإثباتات المعروضة التي يمكن إيجادها بالصوت والصورة بسهولة، تشكّل دليلًا قاطعًا بأنّ حجج «المنطقة الآمنة» والقرارات الدولية وغيرهما ليست سوى لإسباغ المشروعية على هذه الأحلام التوسّعية، وهي ذاتها الحجج التي سيقت قبل احتلال الأراضي المحتلّة حاليًا، بما فيها الجولان السوري أو حتّى سيناء سابقًا. فكيف لكيان يستهدف المنظّمات الدولية وقوّات حفظ السلام ويمزّق ميثاق الأمم المتّحدة ويحظّر أمينها العام أن يُؤتمن لقرارات من هذه المنظّمات، والضفّة الغربية أكبر دليل على عدم صوابية هذا الطرح؟ كما علّمتنا تجارب التاريخ، لا يمكن دحر الاحتلال سوى بالقوّة، وخصوصًا عندما يكون توسّعيًّا بهذه الطريقة.