تستمر السينما الفلسطينية في تصدّيها للعدوان الإسرائيلي عبر أعمال فنية تنقل للعالم معاناة الشعب الفلسطيني وتوثّق صموده في مواجهة آلة القتل والدمار. في الوقت الذي تشهد فيه غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة، ومع استمرار الحصار والمجازر والممارسات الوحشية التي تنفّذها قوات الاحتلال الإسرائيلية، تظلّ السينما الفلسطينية على عهدها بتقديم الصوت الوطني المقاوم. ففي قلب هذه المحن، تظل الأفلام الفلسطينية شاهدًا على الأمل، وتوثّق لحظات الصمود، وتحاول بكل الوسائل الممكنة رفع علم فلسطين في المحافل الدولية.
مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي في جمهورية مصر العربية، الذي تنطلق دورته الأولى هذا الأسبو، يمثل فرصة جديدة للسينما الفلسطينية لتكون حاضرة رغم الظروف المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني. هذا العام، يشارك الفيلم الفلسطيني الرحلة، في المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية القصيرة في المهرجان، ويعد ذلك نقطة مضيئة في المشهد السينمائي الفلسطيني الذي يسعى جاهدًا للوصول إلى العالم مع كل التحديات. إنّ وجود هذا الفيلم في المهرجان، وفي هذه الظروف، يعكس قدرة السينما الفلسطينية على الاستمرار في الوجود والابتكار، سواء على صعيد المهرجانات الدولية أو في ميدان التعبير الفني.
«الرحلة» هو فيلم وثائقي فلسطيني يروي قصة من قلب الواقع الفلسطيني المعاصر، ويقدم سردًا صادقًا للآلام والتحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني يوميًا بسبب الاحتلال. الفيلم من إخراج المخرج الفلسطيني سعود مهنا، الذي لا يعدّ غريبًا عن ميدان السينما الفلسطينية، حيث قدم العديد من الأعمال التي تعكس القضايا الفلسطينية وتسعى لإيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى المحافل الدولية.
من المعروف أن الأفلام الفلسطينية الوثائقية تحظى باهتمام خاص في المهرجانات السينمائية العالمية. الرحلة يأتي في إطار هذا الاهتمام، حيث يعكس المعاناة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون بسبب الحروب المستمرة، الهجمات الجوية، والاعتقالات العشوائية، إضافة إلى التدمير المنهجي للمنازل والمرافق الحيوية.
الفيلم لا يقتصر على عرض المأساة فقط، بل يبرز بشكل أساسي الصمود الفلسطيني في وجه هذه الأوضاع القاسية، مقدمًا بذلك رسالة قوية للعالم بأن الفلسطينيين لا يقتصرون على كونهم ضحايا، بل هم أيضًا أبطال في قصة كفاح مستمرة.
سعود مهنا، المخرج والناقد السينمائي الفلسطيني، يعد واحدًا من أبرز الأسماء في مجال السينما الفلسطينية. طوال مسيرته المهنية، استطاع مهنا أن يبرز كأحد أهم المبدعين الذين يسهمون في توثيق الواقع الفلسطيني من خلال الكاميرا. يعتبر مهنا أيضًا رئيس ملتقى الفيلم الفلسطيني، الذي يعدّ منصة مهمة للفنانين والسينمائيين الفلسطينيين لتبادل الأفكار والعمل على إنتاج أفلام وثائقية ونقدية تسلط الضوء على القضايا الفلسطينية.
يتميز مهنا بأسلوبه الخاص في الإخراج، الذي يجمع بين الوثائقي والتسجيل الحي للأحداث، مما يعزز مصداقية وأثر الأفلام التي يخرجها. ومن خلال الرحلة، يظهر جليًا كيف يعمد مهنا إلى توثيق اللحظات الإنسانية التي يتم تجاهلها في وسائل الإعلام الغربية، مثل قصص الصمود التي لا تقتصر على تقديم الرواية الفلسطينية فقط، بل تفتح المجال للتفاعل مع الجوانب الإنسانية التي تتجاوز السياسة. كما يمكن القول إن مهنا قد نجح في تقديم أفلام تجعل من القضية الفلسطينية جزءًا من الذاكرة الجماعية للعالم، خاصةً في مهرجانات السينما الدولية التي توفر فسحة للفيلم الفلسطيني ليأخذ مكانه في الضوء. الرحلة هو نموذج آخر من نماذج هذا النجاح، الذي يعكس قدرة السينما الفلسطينية على التأثير والإلهام، حتى في أحلك الظروف.
يؤكد مهنا أن الرحلة لم يكن ليكتمل لولا الجهود الجماعية التي أسهمت في إنتاجه. الفيلم هو من إنتاج مركز التنمية والإعلام المجتمعي، الذي يسعى إلى تقديم محتوى ثقافي يسلط الضوء على القضية الفلسطينية من خلال مختلف وسائل الإعلام، بما في ذلك السينما.