أوراق سياسية

جلسة انتخاب الرئيس الـ14: دبلوماسيةٌ فاقعة وثنائيٌ وطني حاسم

post-img

 لطيفة الحسيني

كما كان مرسومًا ومخطّطًا ومُعدًّا، انتخب مجلس النواب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية والعملية تمّت بنجاح. الأمر استغرق سنتيْن ونيّف، إلى أن توافقت الدول على حلّ الأزمة الرئاسية في لبنان.
 
نهارٌ لبناني طويل أعاد الحياة إلى ساحة النجمة، حيث كلّ شيء فاقد للروح والنشاط. محالٌ مُقفلة ومهجورة منذ سنوات الأزمة الاقتصادية المُستفحلة. الطريق إلى مبنى البرلمان "محفوف" بالإجراءات الأمنية القياسية. استنفارٌ وانتشارٌ للقوى العسكرية المُختلفة، إقفالٌ لشوارع عدة، تحويل للسير، تدقيق بالمارّة، وإخلاءٌ لكلّ مواقف السيارات.
جلسة انتخاب الرئيس الـ14: دبلوماسيةٌ فاقعة وثنائيٌ وطني حاسم
لطيفة الحسيني ـ العهد

 في البرلمان، في مبنى القاعة العامة، وعند المدخل الرئيسي، وكذلك المكتبة العامة استنفارٌ آخر لأهل الصحافة. عشرات المراسلين والمصوّرين لم يستوعبهم المقرّ الرسمي، يتسابقون لاستصراح "أصحاب السعادة" عن صوتهم الانتخابي، كأنّ سرًا سيُكشف. عادة صحافية تقليدية عند كلّ استحقاق كبير معروف النتيجة سلفًا. تغطية وتصوير لكلّ حركة وفاصلة في المجلس من دخول المواكب والسيارات إلى وصول السجاد الأحمر إيذانًا بقدوم الرئيس المنتخب، تمًامًا كخروج النائب الكتائبي نديم الجميل وحده إلى خارج القاعة العامة لانتظار الرئيس الفائز.

أكثر المشاهد لفتًا للنظر اليوم لم يكن روتين التغطية الإعلامية لانتخاب رئيس للبلاد بل الحشد الدبلوماسي غير المسبوق الذي حضر إلى مجلس النواب لمواكبة الجلسة. قياسًا بجلسة انتخاب الرئيس السابق العماد ميشال عون، استطاع سفراء الدول أن يُصادروا مقاعد الصحافيين المعتمدين تمامًا. زحمة ووفود أجنبية حرصت على الجلوس ومراقبة سير العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها. لكنّ السفير السفير السعودي وليد بخاري اختار التنويع في إطلالته النيابية، دون أن يجد أحدٌ تفسيرًا للسبب، مرة يحضر واضعًا شماغًا أحمر، وبعد استراحة الساعتيْن التي طلبها الرئيس نبيه بري من النواب لمزيد من التشاور، يظهر مستعرضًا بشماغ أبيض.

على أن محور الجلسة ومفتاح نجاح الاستحقاق كان المحطّة الأدسم في اليوم الانتخابي المُنتظر. دورة اقتراع أولى لم توصل العماد عون إلى الرئاسة، بـ71 صوتًا مقابل 37 ورقة بيضاء، و4 أوراق ملغاة، و14 ورقة لـ" لسيادة والدستور"، و2 لشبلي ملاط. ولأن النتيجة كذلك، رفع الرئيس بري الجلسة لساعتيْن إفساحًا في المجال لمزيد من التشاور، ليقصد بذلك اجتماع كتلتي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير مع الرئيس عون قبل العودة إلى دورة الاقتراع الثانية. حبكة بتوقيع من ضابط إيقاع المجلس، أرادت تأكيد قاعدة وطنية ثابتة بلا التوافق مع الثنائي الوطني لا يستوي انتخاب رئيس للجمهورية، مهما كان الدعم الدولي متوفّرًا للمرشح. لا غنى عن الفريق الشيعي في إيصال أيّ اسم إلى الرئاسة الأولى. وهو ما تُرجم من خلال لقاء بعيد عن الإعلام، جَمَعَ الكتلتيْن مع قائد الجيش، سرعان ما بانت نتائجه الإيجابية مع استئناف الجلسة، فتغيّرت النتيجة ليفوز العماد عون بـ99 صوتًا، و9 أوراق بيضاء و13 صوتًا لـ"لسيادة والدستور"، وصوتين لشبلي ملاط و5 أصوات ملغاة.

تأخير تصويت الثنائي الوطني في الدورة الثانية لصالح العماد عون أدرجه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في خانة "حماية الوفاق الوطني في البلد كما كنّا حماة السيادة الوطنية في لبنان".

اليوم، حجز جوزف عون لنفسه لقب الرئيس الـ14 للبنان. الكثير قيل عن طريقة وصوله وفوزه، لكنّ الأهمّ يبقى أداؤه المرتقب لتحقيق عناوين عهده الرئاسي: الحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني، الحكم العادل بين المؤسسات، تطوير القوانين، رفع الحصانات عن الفاسدين، المداورة في وظائف الفئة الأولى، ضبط الحدود، منع الاعتداءات "الإسرائيلية"، وإعادة إعمار ما دمره العدوّ "الإسرائيلي" في الجنوب والبقاع والضاحية والبقاع، وحمل أمانة الأسرى، ورفض توطين الفلسطينيين.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد