اوراق خاصة

 أهالي جنوب لبنان جاهزون للعودة فور انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قراهم

post-img

حسين كوراني (خاص أوراق)

يترقّب أهالي جنوب لبنان بفارغ الصبر العودة الى قراهم الحدودية مع فلسطين المحتلة، يوم الأحد القادم في 26 كانون الثاني/ يناير الجاري، فور إعلان الانسحاب الإسرائيلي منها بحسب اتفاق وقف إطلاق النار، حيث أن غالبية هذه القرى أصبحت مناطق منكوبة تغيّرت معالمها بفعل عمليات تفجير البيوت وجرفها، والهمجية الإسرائيلية المتواصلة خلال الشهرين الماضيين. 

هناك تحديات عدة تنتظر عودة المدنيين، وهي ملقاة على عاتق الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" المعنية بتطبيق الاتفاق. والتحدي الأكبر يكمن في أنّ القوات الإسرائيلية أبقت على عدد من قواتها في مناطق ملاصقة للحدود في القطاعات الثلاثة. وهذا ما يجعل الجيش متشدّدًا في منع العودة إلى القرى المحررة المتداخلة مع قرى ما تزال محتلّة، وذلك خوفًا على حياة أهلها وتعرّضهم للاعتقال من قوات العدو، كما جرى سابقًا في قرى عدة.

وعليه، ما دور الجيش اللبناني في تأمين عودة آمنة للمدنيين؟ وهل يُمكن لهم الوصول إلى بلداتهم فور الانسحاب الإسرائيلي الكامل المرتقَب نهاية هذا الأسبوع؟

فور انسحاب القوات الإسرائيلية، خلال الأسابيع الماضية من القرى الجنوبية التي احتلتها، انتشر الجيش اللبناني فيها سريعًا في 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، وعمل على مسح أحيائها واستكمل تموضعه في بلدات في القطاع الغربي: في رأس الناقورة، علما الشعب، طيرحرفا، مجدل زون، الصالحاني والقوزح، إضافة الى عيثرون وبنت جبيل في القطاع الأوسط، وسط الدعوات إلى الأهالي بعدم التوجّه إلى هذه القرى ريثما يأذن لهم، وذلك للتأكد من خلوّها من مخلفات العدوان الإسرائيلي، مثل الألغام والقذائف غير المنفجرة، لئلّا تُشكّل خطرًا عليهم، وهذه المهمّة تتطلّب وقتًا.

لكن الإشكالية تكمن هنا، في أنّ القوات الإسرائيلية لا تلتزم بمواعيد الانسحاب المتّفق عليها، كما جرى في عيثرون في 13 كانون الثاني، وهذا ما يدفع الجيش اللبناني إلى حشد قوّاته استعدادًا للدخول، قبل أن يُفاجأ بإبلاغه عبر قوات "اليونيفيل" بإرجاء انسحاب العدو. ومن أجل ذلك؛ وَضع الجيش، وبحسب مصدر تابع له، خطّة لدخول بلدات في القطاع الأوسط، منها: عيترون، ميس الجبل، مركبا، حولا والعديسة، وهو جاهز لتنفيذها فورًا، برفقة أفواج الهندسة والأشغال والنقل، وبالتنسيق مع الدفاع المدني والهيئات الصحية، إلّا أنّ الجيش الإسرائيلي يُماطل بالردّ على هذه الخطة المقدّمة عبر "اليونيفيل". وما يعقّد الأمور أكثر، أنّ الجيش الإسرائيلي عمد، خلال الأسبوعين الفائتين، إلى دخول مناطق محرّرة فجأة، فعرّض الأهالي للخطر، ومنها مدينة بنت جبيل التي توغّلت قواته داخلها وصولاً إلى محيط ساحة البركة ليل 15 كانون الثاني، قبل أن تنسحب باتجاه بلدة يارون.

"لا حياة" في القرى المحرّرة التي وصلها الأهالي

هذا؛ وفيما انطلقت مواكب الجنوبيين إلى بلدات الشريط الحدودي يوم أمس الخميس (23 كانون الثاني)، ومنها الناقورة، التي دخلها الأهالي للمرة الأولى منذ سنة و4 أشهر تقريبًا، برفقة الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل"، يتحضّر الجيش للتمركز في نقاط مستحدثة أيضًا عند مداخل بلدتَي الخيام وعيتا الشعب خلال ساعات اليوم الجمعة. فقد وجد أهالي الناقورة انعدام كل مقوّمات الحياة في بلدتهم الحدودية، بعدما أمعنت "إسرائيل" في تفجير وتدمير منازلها وطرقاتها بشكل شبه كامل، وما تزال عودة أهلها الكلية مرتبطة بقرار الجيش اللبناني بعد انتهاء فرقه الهندسية من تنظيف أراضيها. وكان الجيش دخل للمرة الأولى البلدة في مطلع السنة الجديدة، وباشر بمسح الطرق العامة والفرعية والمنازل السكنية والأحراج والمرافق.

كما حال سكان الناقورة، يُمنَع على أهالي جارتها الشرقية علما الشعب (جميع سكانها من الطائفة المسيحية) العودة إلى منازلهم إطلاقًا، فيما بدأ الجيش اللبناني بدخول البلدة في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، وتسلّم مركزَي "لحلح" و"الحميض" بعد تحريرهما. إذ إنّ القوات الإسرائيلية عاثت خرابًا في البلدة ودمّرت أكثر من 100 منزل بالكامل، فيما الأحياء السكنية الأخرى متضرّرة بنسب متفاوتة، إلى جانب تدمير البنى التحتية الأساسية بحسب رئيس بلديتها. وما تزال عودة الأهالي إلى بيوتهم مرتبطة بانتهاء عمليات المسح الهندسية للمنازل خوفًا من تفخيخها، وانتشال الدفاع المدني للشهداء في البلدة.

إصرار أهالي الجنوب على العودة إلى قراهم بالرغم من تحويلها أرضًا محروقة

مع مواصلة "إسرائيل" تنفيذ خطتها التدميرية للقرى الحدودية بهدف إفراغها من سكانها، وتهديداته لزرع الخوف والرعب في نفوسهم، إلا أن هذا الأمر زاد من عزيمتهم وإصرارهم بالتحضير للعودة حتى لو كانت قراهم مهدمة. وفي هذا السياق، حذّر رئيس بلدية برج الملوك (قضاء مرجعيون) ايلي سليمان لصحيفة "النهار" من "خطورة ما تقوم به "إسرائيل" في تدمير القرى وحفر الطرقات تحت مسميات واهية، لكنها تخفي أهدافًا مبيته وخبيثة"، ورأى: "أن ما يجري ليس حربًا بقدر ما هو إبادة للقرى، وهذا لم تشهده البشرية من قبل لمنع عودة الأهالي"، مضيفًا أن: "هذه الاعتداءات لن تثنينا عن العودة والتمسك بأرضنا. سنبقى في منازلنا وقرانا ولن نتركها مهما كلف الأمر، وأيًا يكن حجم التهديدات".

أما رئيس بلدية ميس الجبل (قضاء مرجعيون) عبدالمنعم شقير، فقد قال لصحيفة "الأنباء": "بلدتنا منكوبة بامتياز، وهناك أحياء سكنية مدمرة بالكامل منها بيوت أثرية وقديمة، والمستشفى والسرايا الحكومي والمؤسسات التجارية والمرافق الرسمية والخدماتية. وكل مقومات الحياة من خزانات مياه ومدارس ومساجد، ونسبة التدمير الكامل بحدود 75%. والهدف هو تهجير أهالي القرى وتحويلها إلى منطقة محروقة وخالية من البشر والحياة".

وإلى بلدة عيتا الشعب (قضاء بنت جبيل)، قال رئيس بلديتها محمد سرور: لـ:"عيتا الشعب رمزيتها في الصمود. ومنذ العام 2006 أراد العدو ان يطوي صفحة صمودها، فقام بتدمير ممنهج ومخطط عن سابق إصرار وتصميم لمنع الأهالي من العودة، ونسبة الدمار الآن نحو 95% على المستويات كافة". وأضاف:" أننا نخاف من عدم العودة إلى أرضنا".

أمام هذا الواقع، هناك دعوات للأهالي بالعودة سريعًا بعد يوم غد الأحد يقابلها توجّس من السلطات المحلية؛ إذ دعت بلدية الخيام الأهالي إلى: "التروي وعدم التسرع في العودة مشددةً على ضرورة انتظار البيان الرسمي من السلطات المختصة لتقييم الوضع الأمني. 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد