يارا عبود/ جريدة الأخبار
سيد ..
أيامٌ قليلة تفصلنا عن يوم تشييعك الرسمي، ربما أكثر... لا أعلم، في حضرة غيابك لا الوقت وقت ولا الحياة حياة
أيجدر بي أن أقول السيد حسن نصرالله ليعلم القارئ من أقصد؟ لا لن أفعل ذلك فمن يمشي على خطاك يعرف من أقصد لأن السيد هو اسمك الذي عرفناك به منذ أن أبصرنا على نهج المقاومة
سيد ..
احفظ لك وجهاً حزيناً لم أعتد عليه، في إطلالتك الأخيرة...
انتصرت غزة يا سيد حسن، فخطة الترحيل والجنرالات والتهجير و رفض الإنسحاب من نتساريم و محور فيلادلفيا حتى فكرة تحرير جميع الرهائن بالقوة، جميع هذه المخططات فشلت وبقيت غزة شامخة رغم كل الدمار الذي حل بها. أعلنوا عن وقف الحرب فيها كما كنت تتمنى فسلاماً لمن بذل روحه وأفجعنا برحيلة وفاءً ونصرة لغزة.
سيد...
والله كنا نعلم أنك حزنت على جرحى تفجيرات البيجير كأن كل شاب مصاب أو شهيد هو ولدك، مصابك مصابنا شاركتنا آلامنا وأحزاننا .
سيد..
.أحد المقاومين كانت أصابعه مبتورة، وآخر فاقد لعينه ظهروا لنا بفيديو أخبرونا من خلاله أنهم أيضاً على الوعد ومستمرين هم نفسهم الذين قلت عنهم أننا سنجدهم في الميدان, أبناؤك صدقوا عهدك..
سيد ..
نلت ما تمنيت، شهيداً سعيداً جميلاً راضياً مرضياً على طريق القدس، لكن قلبي يا سيد ينكر التصديق ويمقته جماً، معاذ الله أن يكون اعتراضاً على مشيئة الله، ولكن الأيام ثقيلة من دونك يا أبتي ويتيمة هي دنيانا
سيد
أخاف من مواجهة هذه الفكرة لأن المنطق والإدارة سيقودني لتصديق الحقيقة أنت شهيد، منذ السابع والعشرين من أيلول أي منذ جاء النبأ في بيروت استشهد السيد، لم أستوعب للحظة أن ذلك ممكن، كنتُ أردد داخلي وأغرق في بكاء طويل «حي ولكن لا تشعرون»
سيد ..
يومذاك كانت الأخبار متضاربة، خبر يقول أنك نجوت... مما نجوت يا سيد حسن؟ مما خلناك قد نجوت وأنت الذي كنت دائماً، تتمنى أن تكون شهيداً، فكيف إن كانت الشهادة كُرمى وقرباناً للقضية التي حجزت نفسها في قلبك وعقلك وحياتك ومماتك .
سيد ..
قاومت والمقاومين بالدم وانتصر الدم على السيف، انتصرت أرواحكم الطاهرة على سكون العرب وتخاذلهم وكانوا صماً بكماً عماً، فهم لا يعقلون سوى شعارات رنانة لا تنصر ولا تدعم ولا تقاوم
سيد ..
أتعلم أن جميع الأمهات اللواتي أعرفهن ومنهن أمهات شهداء وزوجات شهداء، يتحدثن عنك كأنك من الحاضرين ..
سيد ..
كلماتك جلساتك خطاباتك عن الأمل والتمسك بالدين والعقيدة وكيف نحافظ على روابط الأسرة والحب والتقرب إلى الله رغم الذنوب، كلها نعيشها اليوم وحفظناها ظهراً عن قلب لأنها كالمنهاج لنا في هذه الحياة ..
سيد ..
خلال الـ 66 يوم حرب على لبنان كانت جملة «رح تخلص الحرب قريباً منتصرين» لم تفارقني أبداً. كل من تحدث معي يجدني أكرر فكرة أن نهاية الحرب قريبة إلى أن أطلقوا عليي لقب «بغير عالم أو ليش كتير متفائلة»
لم أكن كذلك بل كنت أستمد قوتي منك يا سيد رغم كل ما حولي من كآبة وسواد ألا أنني كنت أرى النور ربما نورك هو من أبصر أملي آنذاك.
سيد ..
انتهت الحرب وأهداف العدو في لبنان لم تتحقق. في يوم إعلان الهدنة, عدت إلى خطاب عام 2006، كنت أحتاج إلى سماع صوتك تبشرنا بإنتهاء الحرب،بكيت كثيراً وأنا استمع لحديثك لوهلة أحسست أنه خطاب نصر 2024 وأنك تلقيه الآن والخبر هو ما ترون لا ما تسمعون ..
تعلمت منك يا سيد معنى حب الوطن، وعلمتني الحروب...
أن تستيقظ صباحاً على صوت دبابات محتل يجرف بيوت بأصحابها، يقتل، يدمر مستقبل عائلات بأكملها، يقضي على أحلام أطفال ولدت ومستقبل أطفال لم تولد بعد في رحم أمهاتها، فكان صدى صوتك أقوى، فقاومت الحروب بحب الوطن.
على الجهة المقابلة العدو ذاته يهدد أمان سكان وطن آخر بالمراقبة والتجسس وقصف قرى.
كل بيت من تلك البيوت له أصحابه مع أحلامهم وذكرياتهم والأهم أرواحهم.
كيف للأمان أن يدخل بيوتنا! لا خيار سوى بالمقاومة ..
سيد منك تعلمت
أن المقاومة هي نتيجة وليست سبباً فحب الوطن يحتاج المقاومة، مقاومة الإحتلال وأطماعه في أراضينا.
حب الوطن ثمنه دم الشهداء منهم القادة الذين استشهدوا في سبيل حب الوطن رافضين أن نعيش في الذل. ومفقودي الأثر، السلام على مفقودي الأجساد دائمي الأثر .
سيد ..
توقفت حرب الإبادة في غزة، و جملة «الى اللقاء مع انتصار الدم على السيف» التي قلتها أنت يا سيد، هل فعلا كنت تقصدها؟ ها أنت شهيد من أجل حرية وقضية وطن مظلوم... وانتصرت أنت وغزة يا سيدنا الحسن.