أوراق إعلامية

"ديبسيك" الصينية تكبّد ذكاء أميركا الاصطناعي 1.2 تريليون دولار... حرب التكنولوجيا تتأجج

post-img

قلبت شركة "ديبسيك" الصينية للذكاء الاصطناعي، سوق التكنولوجيا الأميركية رأساً على عقب، إذ هشّم تطبيقها البالغة كلفته 5.6 ملايين دولار أسطورة منتجات وادي السيليكون التى جرى إنفاق مئات مليارات الدولارات عليها، لتهوي أسهم التكنولوجيا في وول ستريت وتفقد أكثر 1.2 تريليون دولار في يوم واحد.

لقد عاشت شركات التكنولوجيا الأميركية يوماً عصيباً، الاثنين الماضي، تحطمت خلاله كل المعتقدات التي صدرتها للأسواق العالمية، بشأن تطويرها الذكاء الاصطناعي، ما سبّب ذعراً في "وول ستريت".

لمدة عامين، أدى اعتقاد أسواق التكنولوجيا الأميركية بأن صعود الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يبشّر بعصر جديد لها ويدر عليها تريليونات الدولارات من مكاسب سوق الأسهم، إذ كانت شركة "إنفيديا" المصنعة للرقائق الإلكترونية في طليعة طفرة هذا الذكاء. واعتبرت "وول ستريت" أن الشركة لديها دفاع لا يمكن اختراقه تقريباً ضد المنافسة بعروضها من الرقائق عالية التقنية. وساعد النمو السريع للشركة والأرباح غير المتوقعة في دفع شركات التكنولوجيا الأخرى ومؤشر ناسداك المركب إلى تسجيل رقم قياسي تلو الآخر على مدار الفترة الماضية، مع توقع المستثمرين المتحمسين المزيد من نفس الشيء في المستقبل.

حتى جاء "الاثنين الدامي" بالنسبة لـ"إنفيديا" وغيرها من شركات التكنولوجيا في وول ستريت، إذ تسبب تطبيق شركة "ديبسيك" (DeepSeek) الصينية في تحطيم الاعتقاد بأن اللاعبين الأميركيين المتعطشين للرقائق سيفوزون بسباق الذكاء الاصطناعي، ليتحول مزاج المستثمرين سريعاً ويندفعون إلى موجات بيع يحركها الهلع من نزيف الخسائر الذي هوى بسهم "إنفيديا" بنحو 17% ليصل إلى أدنى مستوى لها منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتخسر الشركة 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، لتبلغ قيمتها السوقية 2.9 تريليون دولار تقريباً. ويمثل ذلك أكبر خسارة يومية لأي شركة، بينما كانت الأسبوع الماضي الأكثر قيمة في العالم.

هبطت "إنفيديا" إلى المركز الثالث بين أكبر شركات العالم قيمة، حيث تتجاوز الخسارة المسجلة، يوم الاثنين، ضعف المستوى القياسي السابق من الانخفاض الذي سجلته في سبتمبر/أيلول الماضي والبالغ 9%، والذي أدى آنذاك إلى محو حوالي 279 مليار دولار من قيمتها السوقية، وكان الأكبر في تاريخ سوق الأسهم الأميركية حينها، بسبب مخاوف بشأن الاقتصاد الأميركي.

كما طاول الانهيار الذي تسببت فيه ضربة "ديبسيك" الصينية، أسهم شركتي الرقائق الإلكترونية "برودكوم" (Broadcom) و"ميكرون تكنولوجي" (Micron Technology)، حيث انخفضتا بأكثر من 10%، وهبط قطاع التكنولوجيا في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بشكل عام بنسبة 5.6%، وهو أسوأ هبوط له في يوم واحد منذ أكثر من أربع سنوات، لتخسر أسهم التكنولوجيا بشكل عام نحو 1.2 تريليون دولار من قيمتها السوقية في جلسة واحدة.

وفقاً لبيانات وكالة بلومبيرغ، تسببت عمليات بيع سهم "إنفيديا" في ثمانية من أعمق عشرة انخفاضات يومية في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، بناءً على القيمة السوقية. كما هبطت القيمة الصافية لثروة الرئيس التنفيذي للشركة "جينسن هوانغ" بنحو 21 مليار دولار تقريباً، مسجلة 103.6 مليارات دولار، ليتراجع إلى المركز السابع عشر بين قائمة "فوربس" للمليارديرات.

أغنى 500 شخص في العالم يخسرون 108 مليارات دولار

وخسر أغنى 500 شخص في العالم، ما مجموعه 108 مليارات دولار، يوم الاثنين. وكان المليارديرات الذين ترتبط ثرواتهم بالذكاء الاصطناعي الأكثر تضرراً. ووفقاً لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، خسر لاري إليسون، المؤسس المشارك لشركة "أوراكل"، 22.6 مليار دولار يما يعادل 12% من ثروته. كما خسر مايكل ديل، مؤسس شركة "ديل"، 13 مليار دولار، بينما خسر تشانغبينغ زاو، المؤسس المشارك لشركة "بينانس" 12.1 مليار دولار.

أشعل تطبيق "ديبسيك" منخفض التكلفة مخاوف من أن الشركات الأميركية الكبرى ضخت الكثير من الاستثمارات في تطوير الذكاء الاصطناعي، في حين تقدم الصينية الناشئة نماذج ذات أداء مماثل لروبوتات الدردشة الأميركية، بل وأكثر تطوراً. ويُعد دخول "ديبسيك" المفاجئ إلى سباق الذكاء الاصطناعي، الذي تقول الشركة إنه كلف فقط 5.6 ملايين دولار للتطوير، تحدياً للرواية السائدة في وادي السيليكون التي تؤكد أن الإنفاق الرأسمالي الضخم ضروري لتطوير أقوى النماذج.

"ديبسيك" هي شركة ناشئة صينية تأسست قبل عام فقط، على يد ليانغ ونفنغ، رئيس صندوق التحوط الكمي الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي "هاي فلاير" (High-Flyer). وتطور الشركة نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، وارتقى تطبيق الهاتف الذي يحمل الاسم نفسه ليتصدر قوائم التحميل على هاتف "آيفون" في الولايات المتحدة بعد إطلاقه أوائل يناير/كانون الثاني الجاري.

يُميز التطبيق نفسه عن روبوتات المحادثة الأخرى، مثل "تشات جي تي" الذي طورته شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، بتوضيح منطقه قبل الرد على الأمر. وتقول الشركة الصينية إن الإصدار "آر ون" (R1) يقدم أداءً يضاهي أحدث إصدارات "أوبن إيه آي"، كما سمحت للأشخاص المهتمين بتطوير روبوتات المحادثة بالوصول إلى التكنولوجيا لتطويرها.

ترامب يصف تطبيق الشركة الصينية بأنه "جرس إنذار"

ويمثل هذا أكبر تهديد لشركات التكنولوجيا الأميركية بشكل عام، على رأسها "إنفيديا"، التي ارتفعت مبيعات رقائقها بشكل كبير خلال طفرة الذكاء الاصطناعي الناشئة قبل عامين. وحققت الشركة أكثر من 63 مليار دولار من الأرباح في آخر أربعة أرباع لها، مما يجعلها واحدة من أكثر الشركات ربحية على الإطلاق، وقد ارتفعت أسهمها ثمانية أضعاف منذ نهاية عام 2022.

حرب الرقائق تستعر بين الصين والولايات المتحدة.. فما الجديد؟

قال البيت الأبيض وزعماء وادي السليكون، إن تطبيق "ديبسيك" يُظهر أن الصين قادرة على تحدي الولايات المتحدة، حيث أقرت "إنفيديا" بتقدم التطبيق، وتوقعت طلباُ قوياً على منتجات الشركة الصينية في المستقبل. ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب تطبيق "ديبسيك" بأنه "جرس إنذار". وقال في وقت متأخر من يوم الاثنين، إن" إصدار DeepSeek يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار لصناعاتنا التي نحتاج إلى التركيز بشكل كبير على المنافسة للفوز". وأضاف أن الولايات المتحدة لديها "أعظم العلماء في العالم" وأن الشركات الأميركية يمكن أن تستفيد من البناء على أفكار "ديبسيك".

انتقد ترامب المليارات من الدولارات من المنح الحكومية المقدمة لتشجيع تصنيع الرقائق في الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس السابق جو بايدن، على الرغم من أن قانون الرقائق لعام 2022 الذي قدم التمويل تلقى دعماً في ذلك الوقت من الحزبين الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب والديمقراطي الذي ينتمي إليه بايدن.

أشار إلى أنه يخطط لفرض رسوم جمركية جديدة على الرقائق المنتجة في الخارج، قائلا إن التعريفات الجمركية التي خطط لفرضها على واردات الرقائق المصنوعة في الخارج ستكون أكثر فعالية، لكنه لم يحدد تفاصيل هذه السياسة أو متى قد تدخل حيز التنفيذ. في حين أشارت صحيفة "واشنطن بوست" أشارت في تقرير لها إلى أن هذه السياسية يمكن أن تخلق المزيد من التحديات لصناعة التكنولوجيا الأميركية، والتي تعتمد بشكل كبير على تصنيع الرقائق في آسيا.

منعت واشنطن تصدير التقنيات المتطورة مثل أشباه موصلات وحدات معالجة الرسوم إلى الصين، في محاولة لإبطاء تقدم بكين في الذكاء الاصطناعي الذي يمثل الجبهة الأساسية في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على التفوق التقني.

لكن التقدم الذي حققته "ديبسيك" يشير إلى أن مهندسي الذكاء الاصطناعي الصينيين تمكنوا من الالتفاف على تلك القيود، وصبوا تركيزهم على زيادة الكفاءة باستخدام موارد محدودة. وبينما لم يتضح مدى تطور أجهزة تدريب الذكاء الاصطناعي التي حصلت عليها "ديبسيك"، فما حققته الشركة يكفي للإشارة إلى أن القيود التجارية لم تنجح تماماً في عرقلة تقدم الصين، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ.

الصين تستعد لحرب تجارية أوسع مع أميركا

قال ديفيد ساكس، قيصر الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة في إدارة ترامب، في منشور على منصة "إكس" إن تطبيق "ديبسيك" يُظهر أن سباق الذكاء الاصطناعي سيكون تنافسياً للغاية. وأشار المحللون إلى أن عمليات البيع المكثفة لأسهم شركات التكنولوجيا في وول ستريت، الاثنين الماضي، تؤكد المخاوف بشأن ما إذا كان الإنفاق الضخم الأخير من قبل الشركات الأميركية على الرقائق المتخصصة ومراكز البيانات والبنية التحتية للطاقة ذات الصلة لتشغيل مشاريع الذكاء الاصطناعي مبرراً.

الشركات الأميركية تنفق مئات المليارات على الذكاء الاصطناعي

لقد أنفقت شركات التكنولوجيا الرائدة مليارات الدولارات في بناء تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ووفق الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مارك زوكربيرج في منشور على "فيسبوك"، الأسبوع الماضي، تخطط شركته لاستثمار ما بين 60 مليار دولار و65 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي وبناء مركز بيانات ضخم. كما تقود "سوفت بنك" و"أوراكل" و"أوبن ايه آي" مشروع "ستار جيت" الذي تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي في حضور ترامب، والذي يسعى إلى إنفاق ما يصل إلى 500 مليار دولار لبناء مراكز بيانات لدعم مشاريع الذكاء الاصطناعي. وقال مارك بينيوف الرئيس التنفيذي لـ"سيلز فورس" (Salesforce)، وهي شركة برمجيات سحابية أميركية مقرها في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا لصحيفة "وول ستريت جورنال": "الرواد ليسوا هم الذين ينتهي بهم الأمر إلى أن يكونوا المنتصرين".

كما يُتوقع أن تُحدث "ديبسيك" الناشئة التي تأسست قبل عام فقط، في مقاطعة هانغتشو الصينية، تأثيرات واسعة النطاق على قطاع التكنولوجيا وسلسلة التوريد على مستوى العالم، إذ تقدم رؤية مغايرة للاعتقاد السائد بأن مستقبل تطوير الذكاء الاصطناعي سيحتاج لكميات متزايدة من الكهرباء والطاقة.

رغم أن الشركة الصينية لم تكشف التفاصيل كلها حول أعمالها، يبدو أن تكلفة تدريب وتطوير نماذج "ديبسيك" لا تمثل إلا جزءاً ضئيلاً مقارنةً بما تحتاجه أفضل منتجات "أوبن إيه آي" أو "ميتا بلاتفورمز". كما يعزز هذا التطور الشكوك في فعالية القيود الأميركية على تصدير أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين، بهدف منع إحراز أي تقدم من النوع الذي يبدو أن "ديبسيك" حققته.

يماثل أداء "آر ون" من "ديبسيك" أو يتفوق حتى على النماذج المنافسة في عدد من المقاييس الرئيسية، مثل "إيه آي إم إي 2024" (AIME 2024) للعمليات الحسابية، و"إم إم إل يو" (MMLU) للمعلومات العامة، و"ألباكا إيفال 2" (AlpacaEval 2.0) للأسئلة والإجابات. كما صُنف النموذج ضمن الأفضل أداءً على قائمة المتصدرين، التي يُطلق عليها "تشات بوت أرينا" (Chatbot Arena)، التابعة لجامعة كاليفورنيا بيركلي، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ.

تحظى مطورة الذكاء الاصطناعي بمتابعة دقيقة منذ إطلاق نموذجها الأول في 2023. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعطت العالم لمحة عن نموذج "آر ون" للتحليل المنطقي، المصمَّم لمحاكاة التفكير البشري. ويدعم هذا النموذج تطبيق روبوت المحادثة على الهاتف، ومع إطلاق واجهة الاستخدام عبر المتصفح في يناير/كانون الثاني الجاري، اكتسب النموذج شهرة عالمية باعتباره بديلاً أقل تكلفة بكثير لنموذج "أوبن إيه آي".

جرى تحميل تطبيق "ديبسيك" للهاتف 1.6 مليون مرة بحلول 25 يناير/كانون الثاني الجاري، وتصدر متاجر تطبيقات "آيفون" في أستراليا، وكندا، والصين، وسنغافورة، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، بحسب البيانات الصادرة عن منصة متابعة السوق "آب فيغرز" (App Firgures).

قال مؤسس الشركة البالغ من العمر 40 عاماً في مقابلة مع موقع "36 كيه آر" الصيني، إن العقبة أمام تحقيق مزيد من التقدم لا تكمن في جمع تمويل أكبر، بل في القيود الأميركية على الوصول إلى الرقائق الأفضل أداءً، مشيراً إلى أن معظم كبار الباحثين في الشركة كانوا حديثي التخرج من أكبر الجامعات الصينية. وأكد حاجة الصين إلى تطوير منظومة محلية شاملة، تشبه المحيطة بـ"إنفيديا" ورقائق الذكاء الاصطناعي التي تنتجها. وأضاف: "زيادة الاستثمار لا تؤدي بالضرورة إلى مزيد من الابتكار، وإلا استأثرت الشركات الكبرى بكل الابتكارات".

ذكر دان كلياري، مؤسس شركة "بروميت هب"، وهي شركة ناشئة مقرها نيويورك تساعد المستخدمين على تحسين استعلاماتهم لأنظمة الذكاء الاصطناعي، إنه قام بتشغيل إصدار "R1" من "ديبسيك" من خلال إعطائها مشكلة رياضية متعددة الخطوات، وحلها التطبيق في حوالي أربع دقائق، أسرع بثلاث دقائق من "O1" من شركة "أوبن إيه آي" الأميركية.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد