غسان ريفي ـ سفير الشمال
كما هي العادة، لم يفِ العدوّ "الإسرائيلي" بالتزاماته لجهة الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة بعد انقضاء مهلة الستين يوما، واستمر في عدوانه على البلدات والقرى وعلى المقاومة المدنية التي واجهت آلته العسكرية لليوم الثاني على التوالي بصدور عارية وبمؤازرة من الجيش اللبناني الذي تقدم المواطنين في مسيرة تحرير بعض القرى ليُنتج تلاقي الجيش والشعب، مقاومة أربكت العدوّ "الإسرائيلي" الذي لم يتوان عن الاستمرار بغطرسته وإجرامه في إطلاق النار على العائدين العزّل ما أدى إلى ارتقاء شهيدين وعدد من الجرحى أمس، ليرتفع بذلك عدد شهداء التحرير الذي انطلقت مسيرته الأحد الفائت إلى 24 شهيدا والى نحو 150 جريحا.
على المستوى الرسمي لم يكن مستغربا أن تتبنّى أميركا مطلب العدوّ "الإسرائيلي" بتمديد مهلة الانسحاب لمدة شهر إضافي، حيث صدر بيان من البيت الأبيض بذلك، لكن الدولة اللبنانية رفضت الطلب "الإسرائيلي" سواء لجهة البقاء في خمس نقاط مشرفة على الليطاني، أو في تمديد بقائهم في قرى الجنوب شهرا كاملا، وبعد أخذ ورد سلسلة من الاتّصالات مع الدول الراعية والأمم المتحدة، أجريت مشاورات بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي تمت الموافقة على التمديد لثلاثة أسابيع أي إلى 18 شباط المقبل، قبل أن يستدرك الرئيس بري بإصدار بيان يؤكد فيه أنه اشترط وقفا فوريا لإطلاق النار والخروقات وتدمير المنازل بالإضافة إلى التعهد بموضوع الأسرى، وذلك إنسجاما مع موقف المقاومة الرافض لهذا التمديد.
وفي هذا الإطار، أكدت مصادر مطلعة على المشاورات الرئاسية التي أجريت حول التمديد لغاية 18 شباط المقبل، أن الهدف الأساسي من الموافقة عليه، كان الوصول إلى طريق مسدود مع الدول الراعية الداعمة للمطلب الإسرائيلي، والخوف على أبناء الجنوب من الاندفاعة الشعبية لدخول إلى بلداتهم المحتلة، ومن إمكانية انفلات الأوضاع وقيام جيش العدوّ "الإسرائيلي" بارتكاب مجزرة أو توسيع اعتداءاته، خصوصًا أن اندفاعة اليوم الأول أدت إلى ارتقاء 22 شهيدا، أضيف إليهم شهيدين في اليوم الثاني، من بينهم عنصر في الجيش اللبناني، فضلًا عن الجرحى وبينهم عدد من العسكريين، ولعدم إعطاء العدوّ أي ذريعة جديدة لعدم الانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية، لذلك وافقت الدولة اللبنانية على هذا التمديد، وأبلغت الولايات المتحدة الأميركية عبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن “لبنان قام بتنفيذ البنود المطلوبة من التفاهم، إلا أنّ "إسرائيل" تماطل في تطبيق بنود التفاهم وما زالت تقوم بانتهاك القرار الدولي الرقم 1701.”
الى ذلك، وفي الوقت الذي كان فيه أبناء الجنوب يسطرون أروع ملاحم البطولة في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية ضمن محاولاتهم للدخول إلى بلداتهم وقراههم، والتي يمكن أن تستمر يوميًّا ولغاية 18 شباط المقبل بهدف ممارسة المزيد من الضغط على العدوّ "الإسرائيلي" للانسحاب، لم تكتف بعض التيارات السياسية بالتفرج على ما يحصل جنوبًا من دون أن تحرك ساكنا حيال الانتهاكات الإسرائيلية واستهداف المدنيين العزل ووحدات الجيش اللبناني، بل عملت من خلال بيانات وتصريحات مشبوهة على إيجاد الذرائع والمبررات للعدو "الإسرائيلي" للاعتداء على أبناء الجنوب العزل، وتحميل المقاومة مسؤولية ما يجري واتهامها بالتضحية بالمواطنين لتحقيق مآرب سياسية، ما يؤكد أن هذه التيارات لم تعد تتبنّى الرواية الإسرائيلية، بل هي أصبحت تتّخذ صفة الدفاع عن العدوّ بحجة الحفاظ على لبنان، الأمر الذي أدى إلى حالة من التوّتر ترجمت ليل أمس الأول بتحركات في الشارع كادت أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.