يارا عبود/جريدة الأخبار
لعبت شبكات التواصل الإجتماعي دورًا مهمًا في التحكم بالرأي العام العالمي من خلال الصور ومقاطع الفيديو. إذ أظهرت دراسة نشرت حديثًا (في العدد الخامس من مجلة «الجزيرة» لدراسات الإتصال والإعلام) أنّ للصور قوةً غير مسبوقة في صياغة الروايات عالميًا، إذ استُخدمت الصور لتأطير السرديات. كما أظهرت الدور الهام لوسائل التواصل في عصرنا، قد يصل إلى ما يسمى بالإبادة الرقمية لمحتوى معين بهدف طمس حقيقة ما، وأن إسرائيل وظّفت هذه التكنولوجيا لتوسيع إبادتها بحق الفلسطينيين. أظهرت الدراسة أنّ وسائل التواصل الإجتماعي تقوم بدور فعال في تغليب الرأي العام لقضية معينة. على الجهة المقابلة، أفادت حركة «حماس» من هذه التكنولوجيا وقاومت بتطويع الوسائل المتاحة. كما قام أنصار القضية الفلسطينية برصد الإنتهاكات التي تُنفذ بحق غزة فكان لحركة «حماس» دور بارز في جعل العالم يتضامن مع غزة.
يسهم التوثيق المكتوب والمرئي في دحض الروايات الكاذبة التي تطلقها القوات الإسرائيلية السعاعية الى تغيير سردية الواقع بتبييض جرائم الحرب في غزة.
في خضم هذا العنف الإسرائيلي، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى توثيق الفظائع بحق الفلسطينيين وإظهار قوة المقاومة الفلسطينية وإنجازاتها العسكرية، باستخدام جميع الوسائل المتاحة. وتساعد عملية التوثيق البصري والكتابي في الحفاظ على ذكريات الحرب وضمان عدم نسيان ما حصل وإظهار وحشية العدو الإسرائيلي.
«آمِرة أكثر من الكتابة»؛ إنها الصورة حسب الفيلسوف الفرنسي رولان بارت. ويبدو أنّ هذا الوصف هو الأكثر تعبيرًا عن الدور الذي تلعبه الصورة الفوتوغرافية في وقتنا الراهن.
تحوّلت الحرب الفلسطينية ضد العدو الإسرائيلي من معارك ميدانية فقط إلى إثبات حق وكشف واقع مرير ودحض أحداث وتصحيحها للإعلام. وبما أنه اليوم، لم تعد الحروب تعتمد فقط على الأسلحة التقليدية أو المناورات البرية والبحرية، بل أصبحت التكنولوجيا القوة المحركة الأساسية لتعزيز قدرات الجيوش وتحقيق نتائج الحرب، هذا ما فعلته حركة «حماس»
من خلال وسائل وأدوات بسيطة مقارنة بأدوات الإحتلال الذي حاول الترويج لرواياته الكاذبة عما يحدث في غزة. إستطاعت حركة «حماس» من خلال إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي توثيق ونشر عملياتها العسكرية ضد العدو الإسرائيلي، وتصوير الدبابات والأسلحة التي إستولت عليها أثناء الإشتباكات مع الإحتلال أثناء المعارك، ونشر مقاطع مصورة للرهائن للضغط على إسرائيل لإتمام والموافقة على صفقة تبادل وإنهاء الحرب.
أبو عبيدة... مرعب العدو الإسرائيلي
قاد المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس دورًا رئيسيًا في الحرب النفسية على إسرائيل من خلال صورة القائد المجهول الهوية، ولقِّب بالبطل وأعطى أملًا كبيرًا لكل الفلسطينيين وكل حرّ رافض للذل في العالم.
عند كل ظهور له في خطاباته خلال عملية «طوفان الأقصى»، كان العدو قبل المؤيد ينتظر تصريحاته ويحلل مضمون خطابه. وعند إنتهاء كل خطاب له، كان يشكّل وصمة عار للجانب الإسرائيلي وهاجسًا للقيادة الإسرائيلية، لما يشكله من تكذيب واضح لروايتهم عما يحصل داخل غزة.
أما بالنسبة للشارع العربي عمومًا، والفلسطيني خصوصًا، فهو البطل الذي أرعب العدو رغم كل ما تملكه إسرائيل من قوة ونفوذ.
وظّف أبو عبيدة خلال الحرب الصوت والصورة في خدمة إيصال رسائل المقاومة الفلسطينية وعزّز حقيقة أنّ «حماس» قوية رغم إرتقاء عدد كبير من الشهداء داخل الحركة.
بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة، لم ينته دور أبو عبيدة، بل كان كالقنبلة في وجه الإسرائيلي، فظهوره بعد الحرب كمتحدث للقسام وإعلانه بأنّ صمود الشعب الفلسطيني في غزة أثمر عن وقف للإبادة بعدما كان الجانب الإسرائيلي يرفض تمامًا قبول شروط حركة «حماس»، أظهر أنّ الأخيرة قوية ومنتصرة.
كذلك، أكّد أن المقاومة الفلسطينية لا تزال تتلقى ملايين الرسائل من الدعم والإستعداد للتجنيد في «القسام» مما يثبت أن «حماس» لم تنته كما إدعى العدو. لأن الجبهة الإعلامية لم تكن تقتصر فقط على إعلام المقاومة في بث العملية العسكرية ونقل الصورة الغزاوية للعالم، كان للصحافيين في غزة ملاحم بطولية في نقل الصوت والصورة للعالم أجمع ومساندة المقاومة الفلسطينية في غزة.
خلال عملية طوفان الأقصى، وإثر إزدياد وحشية إسرائيل في الإبادة، برز دور هام لجيش من نوع آخر وهم صحافيو غزة. هؤلاء دافعوا وساندوا بالصوت والصورة والبث المباشر لساعات طويلة لرصد المجازر التي ترتكب بحق أهل غزة ونقل صوتهم ومعاناتهم إلى العالم. حرب غزة كانت نموذجًا رائعًا للتضامن والتكامل في نقل الصورة بين المراسلين و«حماس».
بعد إعلان وقف إطلاق النار، فتح المراسلون البث الحي لنقل الصورة الحقيقية للقطاع، فظهر الدمار الهائل الذي تسبّب فيه العدو وبرزت حركة «حماس» خلال الصور والمشاهد التي بثّت أنها لم تنته وشاهد العالم أجمع ذلك، مما شكل تخبّطًا كبيرًا في «إسرائيل»، وتم دحض كل ما قيل عن أنّ المقاومة هزمت. وأكدت المشاهد الحية أن المقاومة باقية وتتمدّد. وكذلك بعد تبادل عدد من الأسرى والرهائن بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ركز الإعلام العربي والعالمي على ما فعلته حركة «حماس» خلال عملية التبادل، فكان المشهد كالتالي: عدد كبير من عناصر الحركة، وأسلحة متنوعة، وحشد شعبي واسع، وتجهيزات وتحضيرات منظمة جدًا، «وكأن الحرب لم تكن» وفق ما ذكرت المصادر الإسرائيلية بعد صدمتها من المشهد الفلسطيني، فراح الإعلام الإسرائيلي بعد مواكبته للحدث العالمي يتحدث عن الصورة التي ظهرت فيها الحركة وهي تبدو بكامل قوتها رغم مرور أكثر من سنة على الطوفان والدمار الذي كان في غزة.
تمثلت الصدمة الثانية في ظهور عناصر من «حماس» وهم يوزعون الهدايا، التي تضمنت شهادات وصورًا من فترة الأسر للمعتقلات المفرج عنهن والطريقة التي تمت معاملتهن بها، مما أظهر الفرق بين حركة «حماس» والعدو. إذ أظهرت الحركة أخلاقها وإلتزامها بالقيم والمبادىء في التعامل مع الرهائن ومعاملتهم معاملة حسنة وفق تعاليم الدين الإسلامي، مما أسهم في تعزيز صورة الحركة وإظهارها بصورة البطل بعيون العالم وتحسين صورتها بشكل كبير، خصوصًا بعد قيام إسرائيل بحملات مستمرة لتشويه صورة «حماس» في العالمين العربي والغربي.