الأخبار
بدأت الدائرة المُقفلة تكتمِل حول عملية تأليف الحكومة، حيث يُخشى من تعطيل طويل الأمد يستهلك من رصيد العهد، أو أن تكون الولادة منزوعة الغطاء المسيحيى والثقة النيابية. وفي كلّ يوم، تتكشّف "القطب المخفيّة" واحدة تلو أخرى، وسط تَلازُم بين صراع الأحجام داخليًا، وصمت الخارج الذي لا يزال حتّى الآن "منكفئًا" عن التدخل المباشر، في ما يصرّ البعض على تسجيل انتصارات ربطًا بنتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان.
الحاصل عمليًا هو أن من تمسّكوا بالقاضي نواف سلام وأيّدوه وسمّوه واعتبروا تسميته انتصارًا لفريق على آخر، عادوا وانقلبوا عليه، وبات بعضهم يطلب منه الاعتذار، بينما نجح غير المتحمّسين له في تذليل تسعين في المئة من العقبات بشأن حصتهم، والنتيجة أن التكليف وصلَ إلى مشارف نهاية الشهر الأول من عمر العهد من دون أي تقدّم.
منذ الخميس الماضي تقريبًا، لم يحصل أي تطوّر في المشاورات والاتّصالات التي يجريها الرئيس المكلّف، والتي توقفت عندَ عقدتين: أولاهما الحقائب الخاصة بالأحزاب المسيحية الكبيرة، وثانيتهما تتعلق بنزاع مع الكتل السنّية التي ترى أن سلام يتعامل معها بمنطق إقصائي.
وإلى ذلك، انفجر في وجهه أمس "غضب التشرينيين" الذين اتّهموه بالخضوع للثنائي أمل وحزب الله، ما يُسقِط عنه صفة "الإصلاحي والتغييري"، وعبّروا عن الاستياء من سعيه إلى وضع اليد على الحصة المسيحية نتيجة عدم اعتماد معيار واحد للتمثيل. وهو ما دفع باللاعبين البارزين إلى رفع الصوت علنًا، وكانت لافتة إشارة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى أنه "لا يجوز التنكّر للذات، ولا يجوز أيضًا الازداوجية في التعاطي مع أحجام التمثيل بين المكوّنات وبين الأحزاب"، داعيًا سلام إلى الاستناد إلى "أسس تمثيل سياسية ومجتمعية صلبة"، و"مدعومة من كتل نيابية ثابتة وليس من جماعات وأفراد متحرّكين ومتلوّنين". وخلص باسيل إلى أن "هناك مخالفات كثيرة لا يمكن تأليف الحكومة في ظلّها، ولا يمكننا القبول بها. أما سكوتنا لثلاثة أسابيع فكان إفساحًا في المجال للتصحيح رغم أن البعض اعتبر ذلك ضعفًا، وأُشيع أن التيار يقبل بأي شيء يُعطى له أو لغيره. هذا غير صحيح، والمعنيون يدركون هذا الأمر منذ اليوم الأول، وقرّرنا أن نتكلّم اليوم كي لا يُفسّر سكوتنا بأننا موافقون".
وعلى الضفّة المسيحية أيضًا، وبعدما تبيّن أنْ لا مشكلة بين سلام وحزب الكتائب بعد الاتفاق على اسم المحامي عادل نصّار لتولي وزارة العدل، بدأ حلفاء الكتائب من قوى المعارضة الهجوم وصولًا إلى قول معارضين إن "الكتائبيين يتصرّفون وكأنّهم أزلام سلام، وبعدما حجزوا حصّتهم الوزارية غضّوا النظر عن الأسس السياسية". وخرج هذا الهجوم إلى العلن أمس، وقاده حزب "القوات" والدائرون في فلك معراب، بينما تقول مصادر مطّلعة إن "سلام أعلم الكتائب بأن تمثيله في الحكومة سيكون بوزارة واحدة فقط، وبعد إبداء الحزب موافقته، طلب سلام إرسال سيرٍ ذاتية واختار من بينها". ولفتت إلى أنّ "القوات وحلفاءها يعيبون على الكتائب تعاطيه بواقعية سياسية، في حين أنّ هذا التعاطي منطلقه أن هناك طائفة أساسية في البلد لا يمكن رميها في البحر"، والكتائب "ليس بوارد حشر سلام في مطلب سحب حقيبة المال من الطائفة الشيعية لقناعته بعدم جواز إقصاء أي مكوّن لبناني في هذا الظرف"، علمًا أن "القوات كانت أول من أعرب عن عدم ممانعة أن تكون وزارة المالية مع الشيعة، طمعًا بالحصول على وزارة الخارجية، لكنّ اتفاق رئيسَي الجمهورية والحكومة على اختيار وزيرها دفع القوات مجددًا إلى نبش المالية للتنقير ليس إلا".
وحتّى يوم أمس، لم يكن سلام قد تمكّن من تجاوز العقبة السنّية، رغمَ استئنافه لقاءاته مع عدد من النواب، خصوصًا أنه رفض طلب النائب وليد البعريني منح التكتل وزارة الزراعة. وقال زملاء البعريني إنّ سلام "لم يقدّم وعودًا جدية، وأوهم البعريني بأنّه لم يُنجز اتفاقه مع الكتل الأُخرى، وقال له: خليني خلّص مع الثنائي ثمّ مع الكتل المسيحيّة، على أن نتفق نحن السنّة بين بعضنا من دون أي مشكلة". وعندما طلب منه البعريني إيداعه بعض السير الذاتية لمرشحين، قال سلام إنه "لا داعيَ لذلك، لأنّ السيَر التي تم تقديمها من كتلته سابقًا ممتازة"، وهو ما اعتبره عدد من النواب "تلكّؤًا" لعدم تعامل سلام مع أي اسم منها بجدية، وإنما اعتمد على أسماء من خارج اللائحة التي قدّمها النواب السنّة. وكشفت مصادر مطّلعة أن "أساس مشكلة الحصة السنّية، تنطلق من اعتبار المعترضين أن التشكيلة التي يعمل عليها سلام، إنما هي تشكيلة الرئيس فؤاد السنيورة، من طارق متري وكمال شحادة إلى عامر البساط وحنين السيد".
أما بالنسبة إلى "التغييريين"، فكان لافتًا أمس انقسام كتلة "تحالف التغيير" المؤلّفة من النواب مارك ضو وميشال الدويهي ووضاح الصادق، إذ أعلن ضو موقفًا مؤيّدًا لمسار التأليف، معتبرًا أن "هناك انتصاراتٍ تحقّقت"، بينما سيحجب الدويهي الثقة عن الحكومة إن "لم يصحح سلام مسار التأليف، وينزع وزارة المال من الثنائي الشيعي". وترافق هذا الانقسام مع تراشق التهم وعبارات التخوين بين مجموعاتٍ وناشطين وإعلاميين "تشرينيين"، بعد أن انقسموا إلى فريق عبّر عن خيبة أمله كون سلام خضع لحزب الله وحركة أمل، وفريق آخر يدعم سلام ويعيب على الفريق الأول معارضة رئيس الحكومة المكلّف، علمًا أن جميع هؤلاء ساهموا بشكلٍ أو بآخر في حملة الترويج لنواف سلام تمهيدًا لتكليفه.
في المحصّلة، يمكن اختصار المشهد على مستوى نواب التغيير الـ11 كالتالي: مارك ضو ووضاح الصادق وبولا يعقوبيان وفراس حمدان وإبراهيم منيمنة وياسين ياسين يؤيدون تمثيل "التغيير" حكوميًا، في ما ترفض حليمة القعقور وسينتيا زرازير... ويغيب عن المشاركة في الطبخة النواب: ملحم خلف ونجاة صليبا والياس جرادة. أما ميشال الدويهي فسيحجب الثقة اعتراضًا على منح سلام "الثنائي الشيعي" ما يريد، وليس على أصل فكرة التمثيل في الحكومة.