نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريرًا لمراسلها في البيت الأبيض إيري سينتنر، قال فيه إن البيت الأبيض يصور جامعات النخبة كبؤرٍ للكراهية، مع وصول فجوة الشهادات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
في العام 2021، أعلن جيه دي فانس أن “الجامعات هي العدو”، وهذا الأسبوع، أعلن البيت الأبيض الحرب عليها. وأضاف أن الرئيس دونالد ترامب وإدارته صعدوا من هجماتهم على التعليم العالي، وكثفوا جهودهم المستمرة منذ سنوات لعرقلة الجامعات التي يقولون إنها تغذي الفكر التقدمي، من خلال تصويرها ليس مساحاتٍ للابتكار، بل كبؤر للكراهية.
تقول المجلة إن الجمهوريين لطالما ألقوا باللوم على الجامعات لكونها بؤرة رئيسية لعددٍ من قضايا حرب الثقافة “الصحوة” التي يحاولون الآن استئصالها، بما في ذلك مبادرات التنوع والمساواة والشمول، والأطر الأكاديمية مثل النظرية العرقية النقدية.
غذت الاحتجاجات، التي عمّت الجامعات ربيع العام الماضي وسط العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، دوافع الجمهوريين لمهاجمة الجامعات بسبب مخاوفهم من معاداة السامية. ومنذ توليه منصبه، سارع ترامب إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى معاقبة التعليم العالي.
تتيح جهود إدارة ترامب السيطرة على مفاصل السلطة في الحكومة الفيدرالية. فقد حذرت وزارة التعليم، يوم الاثنين، 60 جامعة تخضع للتحقيق بتهمة معاداة السامية من أنها قد تواجه عقوبات، مذكرةً إياها بأن دعم دافعي الضرائب هو “امتياز”.
في الأسبوع الماضي، سحبت إدارة ترامب تمويلًا بقيمة 400 مليون دولار من جامعة كولومبيا، معقل النشاط التقدمي في مانهاتن العليا، بسبب مزاعم بمعاداة السامية هناك خلال احتجاجات ربيع العام الماضي.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، تحرّك ترامب لترحيل فلسطينيّ يحمل بطاقة إقامة دائمة (غرين كارد) لمشاركته في احتجاجات مناهضة للحرب بصفته طالب دراسات عليا في جامعة كولومبيا، وهدد بأن المزيد من النشطاء المؤيدين لفلسطين سيلاقون المصير نفسه قريبًا. وقال البيت الأبيض إن وزارة الأمن الداخلي تجري تحقيقًا بشأن الطلاب الذين تفاعلوا مع محتوى مؤيد لـ”حماس” على الإنترنت.
في غضون ذلك، تدفع التخفيضات في منح مؤسسات البحث من قِبل المعاهد الوطنية للصحة الجامعات في جميع أنحاء البلاد إلى التفكير في وقف الأبحاث الطبية، ووقف البناء، وقتل حيوانات المختبرات بالقتل الرحيم.
قال رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، الجمهوري عن ولاية أوهايو جيم جوردان، لمجلة “بوليتيكو”، معلقًا على التوجيهات التعليمية الأخيرة لإدارة ترامب: “أكثر ما يعجبني في الرئيس هو الوتيرة والكثافة والتركيز على تنفيذ ما وعد به، وهو أمر لا يتفوق فيه أحد”، وأضاف: “دائمًا ما أقول إننا نزيد من تعقيد المهمة. الأمر بسيط للغاية؛ ماذا أخبرت الناخبين أنك ستفعل إذا تم انتخابك؟ ثم اذهب وافعل ما قلته. إنه يفعل ذلك بوتيرة لا تُصدق. هذا هو المفتاح”.
تعلق المجلة بأن هذا تكتيكٌ سياسي ماكر من الحزب الجمهوري لتصوير الكليات النخبوية على أنها مصانع للتطرف مع وصول فجوة الشهادات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وقد أيد 56% من الناخبين غير الحاصلين على شهادة جامعية ترامب في انتخابات 2024، بزيادة عن 51% في العام 2020، وفقًا لاستطلاعات الرأي.
بدأ الأمر في الأشهر التي تلت عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما استدعت لجنة التعليم في مجلس النواب بقيادة الجمهوريين رؤساء جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لجلسة استماع بشأن مزاعم معاداة السامية المتعلقة بالاحتجاجات المناهضة للحرب المؤيدة للفلسطينيين في حرم جامعاتهم.
في تبادلٍ شهيرٍ للاتهامات، سألت إليز ستيفانيك، سفيرة الأمم المتحدة والنائبة في الكونغرس عن نيويورك وقتها، رئيسي جامعتي هارفارد وبنسلفانيا عما إذا كانت “الدعوة إلى إبادة اليهود” تخالف قواعد جامعتيهما. فأجابتا بأن الأمر يعتمد على “السياق”. ردت ستيفانيك: “الأمر لا يعتمد على السياق. الإجابة هي نعم، ولهذا السبب يجب عليك الاستقالة”. وتنحت الرئيستان في الشهر التالي.
لكن جامعة كولومبيا – المعروفة شعبيًا باسم “آيفي الناشطين” – أصبحت أكبر مصدر إزعاج للجمهوريين. عندما نصب طلابها خيامًا في حديقة الحرم الجامعي ورفضوا مغادرة “مخيم التضامن مع غزة” في نيسان/ أبريل الماضي، تعرّضت الجامعة لعاصفة سياسية وطنية، حيث انضم أعضاء تقدميون في الكونغرس إلى نشطاء يرتدون الكوفية في المخيم، بينما حث رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، الطلاب على “التوقف عن إهدار أموال آبائهم”، ودعا الحرس الوطني إلى إخلائهم إذا لم يمتثلوا.
تتيح جهود إدارة ترامب السيطرة على مفاصل السلطة في الحكومة الفيدرالية، فقد حذرت وزارة التعليم 60 جامعة من أنها قد تواجه عقوبات، مذكرة إياها بأن دعم دافعي الضرائب هو امتياز؛ ثم، في منتصف ليلة 30 نيسان/ أبريل، اقتحم عشرات المتظاهرين الملثمين مبنى جامعيًا مغلقًا، وأطلقوا عليه “قاعة هند”، وهي الطفلة الفلسطينية التي قتلها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعلقوا لافتة “انتفاضة” على جانب المبنى.
استدعت رئيسة جامعة كولومبيا السابقة مينوش شفيق، بالتعاون مع عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز، إدارة شرطة نيويورك. وفي لحظة مذهلة بثتها جميع وسائل الإعلام على الهواء مباشرة، تدفق مئات الضباط بزي مكافحة الشغب إلى الحرم الجامعي، وقطعوا الحواجز، وسحبوا المتظاهرين الصارخين. استقالت شفيق، وهي بارونة في مجلس اللوردات البريطاني، في آب/ أغسطس وعادت إلى لندن.
استمرت الاحتجاجات في جامعة كولومبيا، وكذلك الاعتقالات. لكن الخطوة الاستثنائية التي اتخذها ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع باعتقال وترحيل محمود خليل، أحد المفاوضين الرئيسن خلال المخيم، وهو فلسطيني- سوري الجنسية، من شقته المملوكة لجامعة كولومبيا، مثلت تكثيفًا مذهلًا لحملة القمع على النشاط الطلابي التي وعد بها الرئيس خلال حملته الانتخابية.
اليوم الثلاثاء، قالت السكرتيرة الإعلامية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن وزير الخارجية، ماركو روبيو، “له الحق في إلغاء البطاقة الخضراء أو التأشيرة للأفراد الذين يعارضون السياسة الخارجية أو مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة”، بموجب قانون الهجرة والجنسية – وهو قانون صدر في العام 1952 واستخدم خلال حقبة الخوف الأحمر من الشيوعية لاستهداف المهاجرين اليهود وترحيلهم بشكل غير متناسب.
قالت ليفيت إن خليل نظم الاحتجاجات ووزع “دعاية مؤيدة لحماس”، في إشارة إلى منشور وزع في الحرم الجامعي العام الماضي يحمل شعار “حماس”، وهي جماعة تصنفها الولايات المتحدة على أنها إرهابية.
تمثل جميع التحركات الأخيرة تحقيقًا لرغبات المحافظين الراسخة. فقد قال فانس في المؤتمر الوطني للمحافظين في العام 2021، قبل انتخابه لعضوية مجلس الشيوخ: “إذا أراد أيٌّ منا أن يفعل ما نريده لبلدنا ولسكانه، فعلينا مهاجمة الجامعات في هذا البلد بصدق وحزم”. الآن هو نائب الرئيس ترامب، والبيت الأبيض بدأ يفعل ذلك بالضبط.