اوراق مختارة

تخبط سلام واستفزازات القوات.. يهددان العهد!.. 

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)
    
تتخبط حكومة الرئيس نواف سلام بين تلبية مطالب الخارج وبين الواقع اللبناني القائم على التوازنات السياسية والكثير من الحساسيات الطائفية والمذهبية، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر وبأشكال مختلفة، وبالتعيينات التي استدعت جلستين لمجلس الوزراء لوضع آلياتها من دون أن تترجم فعليا لا سيما في ما يتعلق بحاكمية مصرف لبنان التي ما تزال موضع خلاف داخلي ببعد خارجي. 

لا شيء يوحي حتى الآن بإمكانية نجاح الدبلوماسية التي تعتمدها الحكومة تجاه الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية، ولا بتوجهات أميركية أو دولية لوقف الاعتداءات والغطرسة الصهيونية التي تتمادى يوما بعد يوم، فيما بعض أصحاب الرؤوس الحامية يضغطون باتجاه تسليم سلاح المقاومة ويتبنون السردية الإسرائيلية وصولا إلى تشكيلهم الصدى لمواقف العدو وهي تطبيق القرار ١٧٠١ من الجانب اللبناني فقط إرضاء لولي الأمر الأميركي، وذلك في مخالفة صريحة لخطاب القسم وللبيان الوزاري ولبيان الرؤساء الثلاثة الصادر من قصر بعبدا قبل انعقاد جلسة الثقة.

واذا كان الرئيس نواف سلام يريد استعجال إثبات الحضور لإعطاء الشرعية لحكومته وطنيا وخارجيا، فإن تسرعه إلى حدود الارتجال قد يفقدها الصفة الجامعة ويحولها إلى حكومة فئوية تعرقل انطلاقة العهد، خصوصا أنها تغض النظر عن كل الاعتداءات الإسرائيلية ولا تمارس حتى أضعف الإيمان في إصدار بيانات الاستنكار أو تقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن أو استدعاء لجنة الإشراف على وقع إطلاق النار لوضعها أمام مسؤولياتها.

ويبدو أن ثمة هوّة سحيقة بين ما يقوله الرئيس سلام وبين الواقع على الأرض، حيث يؤكد أن الدولة ماضية في بسط سلطتها على كامل أرضها فيما إسرائيل توسع من عدوانها ومن احتلالها، ثم يؤكد أن الدولة استعادت قرار السلم والحرب، وهي تقف مكتوفة الأيدي أمام انتهاكات إسرائيل التي تضرب هيبة الدولة ولا تقيم وزنا لقرار وقف إطلاق النار ولكل مواثيق الشرعية الدولية.

أما تأكيد سلام على أن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة باتت من الماضي في ذروة محاولات إسرائيل خلق الذرائع لاستئناف الحرب على لبنان، فقد استفزت المقاومة الملتزمة بوقف إطلاق النار وبالوقوف خلف الدولة في مساعيها الدبلوماسية، واستدعت ردودا عليه قد تنعكس تباينات في مجلس الوزراء، واختلافا في وجهات النظر مع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي أكد أكثر من مرة أن الأولوية هي للانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان ومن ثم يصار إلى البحث داخليا في قضية السلاح، إلا أن الرئيس سلام يبدو مستعجلا لتنفيذ الرغبات الأميركية التي يهمها فقط حماية أمن إسرائيل ولا تكترث لتداعيات ما تطلبه على الداخل اللبناني وأمنه واستقراره.

وما يزيد الطين بلة، هو وزير الخارجية يوسف رجي الذي يبرر لإسرائيل اعتداءاتها، ويتهم المقاومة بالتنصل من التزاماتها من دون أن يحرك ساكنا تجاه ما ترتكبه إسرائيل من جرائم يومية بحق اللبنانيين وممتلكاتهم وأراضيهم، حيث يقدم رجي في كل مناسبة معادلات بعيدة كل البعد عن الواقع وصولا إلى اعتباره أن وجود الاحتلال سببه المقاومة، في حين أن كل المواثيق والشرائع والأعراف الدولية تؤكد على حق المقاومة في ظل الاحتلال.

ولا يبدو موقف رجي المنتمي إلى القوات اللبنانية مستغربا في ظل الحقد الذي تظهره القوات على المقاومة وهو تجسد مؤخرا بموقف النائب غسان حاصباني الذي يروج لضرورة مواجهة الجيش مع المقاومة لسحب سلاحها بالقوة بالرغم من مخاطر ذلك على الأمن الوطني ووحدة لبنان، فضلا عن تهديده بتلزيم سحب سلاح المقاومة إلى العدو الإسرائيلي جنوبا، والى الجيش السوري شرقا، ما يعني تعريض لبنان لعدوان ثنائي الأبعاد لا أحد يمكن أن يتكهن بتداعياته الكارثية على البلاد والعباد.

فضلا عن استغراب سمير جعجع أمس إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، وكأن ما تقوم به منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ من انتهاكات واعتداءات أمرا طبيعيا بالنسبة له.

كل ذلك يطرح سلسلة من الأسئلة المشروعة لجهة، هل تسعى القوات اللبنانية باستفزازاتها إلى ضرب عهد الرئيس جوزف عون خصوصا أنها كانت ترفض انتخابه وقد رضخت مرغمة للرغبة الدولية؟ أم أنها تريد الذهاب بالبلاد إلى حرب أهلية؟ أم أن حقدها على المقاومة يدفعها إلى الاستقواء بالعدو الإسرائيلي على مكون لبناني أساسي؟ أم أنها تجد أن الفرصة مؤاتيه لتحقيق الفيدرالية وتقسيم لبنان وهو الحلم الذي يراودها منذ العام ١٩٨٢، وصولا إلى التطبيع مع العدو.

حتى الآن لم يخرق حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار، وهو نفى نفيا قاطعا مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ المجهولة المصدر، مع تأكيده الالتزام بتوجهات الدولة وبمساعيها الدبلوماسية وانسحابه من جنوب الليطاني لمصلحة انتشار الجيش، فلماذا كل هذه الأصوات النشاز؟، والى ماذا يرمي كل ذلك؟!..

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد