اوراق خاصة

العدو يراهن على الانتخابات لإقصاء الحزب.. فهل ينجح؟

post-img

حسين كوراني ـ خاص موقع "أوراق"

فرضت عدة متغيرات دولية وإقليمية وداخلية ضغوطات على حزب الله وضعته أمام تحديات غير مسبوقة، ما أتاح لـ"أعداء المقاومة" بانتهاج أساليب شتى لإضعافه بشكل متزايد ثم اقصائه وعزله عن المشهد السياسي. إلا أن الحزب، وكما أثبتت التجارب، أنه في كل محطة مفصلية يمتلك خيارات تتيح له مواجهة هذه الضغوط بمرونة وفعالية.

ولتحقيق مآربهم؛ جَهد أعداء المقاومة وبزخم من الخارج في الضغط على حزب الله بقوة لتقديمه تنازلات على المستوى الوطني، في محاولة للتأثير على بيئته واقناعها بأن المقاومة هُزمت وأصبحت تحتضر، ولذلك وجب على جمهورها الإذعان لمطالب "إسرائيل" والولايات المتحدة. ومن أجل تأليب بيئة الحزب عليه، بدأت واشنطن تعمل على إفشال مخطط إعادة الاعمار وإيواء النازحين من قراهم المدمرة لحين موعد إجراء الانتخابات النيابية، وذلك لثني المواطنين عن التوجه لانتخاب نواب الحزب وحلفائه. 

لكن على الرغم من المكائد كلها، فإن الحزب ما يزال يمتلك قاعدة جماهيرية صلبة تشكلت عبر شبكة خدمات اجتماعية واسعة ودعم سياسي واضح منذ أكثر من أربعين سنة. وهذه القاعدة تمنحه قوة انتخابية كبيرة وتجعله قادرًا على خوض أي استحقاق نيابي بثقل واضح، ما يعني أنه سيظل رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية اللبنانية. وفي هذا الإطار، فإن قدرة الحزب على المحافظة على ولاء هذه القاعدة ستكون عاملاً حاسمًا في المرحلة المقبلة.
كما أن حزب الله يدرك تمامًا أن قوته الانتخابية تمنحه أيضًا قدرة على نسج تحالفات سياسية أوسع، سواء مع مرشحين مستقلين أم مع كتل سياسية أخرى تتقاطع معه في المصالح أو التوجهات. 

وعلى الرغم من الضغوط التي تمارس على حلفاء الحزب التقليديين، فهو يمتلك قدرة على إعادة تشكيل تحالفاته وفقًأ لمعطيات المرحلة وجذبهم له. ومن خلال هذه التحالفات، يمكن للحزب ضمان موقعه داخل المؤسسات الدستورية والتشريعية، ما يتيح له هامشًا واسعًا للمناورة السياسية. وهذا يجعله يصبح رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية الداخلية، والتي ستنعكس بدورها على قوته السياسية في الخارج ومدى تعاطي أعدائه معه.

في هذا السياق، تبرز الانتخابات المقبلة كفرصة أساسية لاستعادة جزء من التوازن المفقود. فمن خلال الفوز في هذه الاستحقاقات، سيتمكن الحزب أولاً من تكريس شرعيته الشعبية داخل بيئته المباشرة، الأمر الذي يبدد أوهام بعض القوى حول إمكانية عزله أو تهميش دوره في الحكومة والإدارة العامة. فطالما يحظى الحزب بالتأييد الشعبي الكاسح ضمن ساحته، فلن يكون من الممكن تجاوزه أو منعه من فرض رؤيته في عملية تشكيل السلطة وتوزيع المناصب.

ولن تقتصر مكاسب الانتخابات على تعزيز موقع الحزب داخل بيئته التقليدية، بل ستمتد إلى توسيع كتلته النيابية عبر الفوز بمقاعد غير شيعية كان يمنحها سابقاً لحلفائه. هذا التحول من شأنه أن يمنحه قدرة تفاوضية أكبر في البرلمان، ويتيح له التأثير المباشر في القرارات المفصلية، من دون الحاجة إلى الاعتماد على أطراف أخرى قد تكون خاضعة لتقلبات سياسية أو ضغوط خارجية.

كما ستؤدي هذه المكاسب إلى الحدّ من الزخم الأميركي المعادي له، على الأقل بالمستوى الحالي. فمن خلال تأكيد حضوره القوي في المعادلة الداخلية، سيصبح واضحاً للجهات الخارجية أن الضغوط المباشرة لم تؤدّ إلى إضعافه سياسياً، بل ربما عززت من تماسكه الشعبي. وهذا قد يدفع واشنطن إلى تعديل استراتيجيتها تجاهه، والانتقال إلى مرحلة جديدة من الضغوط ذات طبيعة مختلفة، قد تكون أقل حدة من المواجهة المفتوحة التي اتبعت في السنوات الأخيرة.

وأخيراً، لا يمكن فصل الانتخابات المقبلة عن التطورات الإقليمية، إذ قد تتزامن مع تسوية إيرانية-أميركية أو على الأقل نوع من فك الاشتباك بين الطرفين، ما سينعكس إيجاباً على لبنان ككل، ويعيد ترتيب المعادلة الداخلية بطريقة أكثر توازناً. لذلك، تشكل هذه الانتخابات محطة حاسمة في إعادة رسم المشهد السياسي، وستحدد إلى حد كبير مستقبل التوازنات الداخلية في المرحلة المقبلة.

 ومن هذا المنطلق، فإن المرحلة المقبلة ستكون مفصلية في تحديد مستقبل الحزب وخياراته السياسية، حيث ستعتمد استراتيجيته على مدى قدرته على التكيف مع المتغيرات والاستفادة منها لتعزيز موقعه في الداخل والخارج.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد