اوراق مختارة

إعادة تأهيل طرقات الضاحية... متى ينتهي «مسلسل» التأخير؟

post-img

جنان طرحة (جريدة الأخبار)

مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ وعودة السكان إلى بيوتهم وأحيائهم في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي شهدت عودةً تدريجية للحياة اليومية في 27 تشرين الثاني الماضي، باتت إعادة التأهيل أولوية ملحّة للسكان والجهات المعنية، فباشرت بلديات الضاحية بالتعاون مع وزارة الأشغال منذ اليوم الأول، العمل على إزالة الركام وفتح الطرقات تسهيلاً لحركة المرور وعودة السكان، تمهيداً لإعادة تأهيلها.

وفي ظل التحديات الاقتصادية الهائلة التي خلّفها العدوان، وتسبّب الاعتداءات في دمار واسع على البنية التحتية للضاحية، تركت طرق المنطقة لتكون من أبرز المعطلات التي تقف عثرة أمام العودة الكاملة للحياة الطبيعية، فبات ضعف التمويل اللازم لإعادة تأهيل الطرقات أحد أبرز العوائق التي تواجه الإعمار مشاريع الإصلاح.

في هذا السياق، قالت مصادر معنية بالملف لـ«الأخبار» إن الحكومة أقرّت سلفة لاتحاد بلديات الضاحية لبيروت على غرار السلف التي أقرتها لمجلس الجنوب وللهيئة العليا للإغاثة، وذلك بهدف إعادة تأهيل البنية التحتية والمنشآت التي تضررت جراء العدوان الإسرائيلي الذي استهدف لبنان في أيلول الماضي.

يأتي هذا القرار كجزء من الجهود الرامية إلى تعويض الأضرار التي لحقت بالمناطق السكنية والمرافق العامة خلال العدوان، والذي خلف دماراً واسعاً في البنى التحتية، بما في ذلك الطرق، والمستشفيات، والمنشآت الحيوية. وتعهد الاتحاد بتوجيه هذه الأموال نحو مشاريع إعادة الإعمار العاجلة، مع التركيز على دعم الأسر المتضررة وإعادة الخدمات الأساسية إلى سابق عهدها، إلا أنّ البطء يسود العملية، فلا تزال بعض الأحياء في الضاحية تعاني من تراكم الأنقاض.

أما الأبنية الآيلة للسقوط، فقد تم هدم بعضها لأنّ بقاءها يشكّل خطراً على الطرقات، ما يهدد السلامة العامّة، إضافةً إلى أن مرحلة رفع الأنقاض تتطلّب حوالى تسعة أشهر بحسب دفتر الشروط الذي أعدّه مجلس الوزراء، وبناء على عقد رضائي تمّ بموجب عروض أسعار تقدّمت بها 16 شركة.

إضافة إلى ذلك، تم التعاون مع جهات مانحة ومنظمات دولية، مثل اليونيسف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والصليب الأحمر الدولي، لتقديم الدعم الفني واللوجستي في عمليات إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية، إلا أن غالبية طرقات الضاحية لا تزال تمتلئ بالركام والحطام الذي خلّفته الحرب.

ازدحام وتراكم الخسائر

بحسب المصادر، فإن 100 بناء يحتاج إلى هدم جزئي، أمّا المباني المدمّرة بالكامل فتحتاج إلى هدم كلّي فعددها حوالى 303 مبنى، وهناك حوالى 81 ألف وحدة سكنية متضرّرة وبحاجة إلى الترميم، وقد بدأ ترميمها .

ففي بعض المناطق اضطرت البلديات إلى إبقاء أجزاء من الطرق مغلقة، خوفاً من انهيار المباني الآيلة للسقوط، ما يؤدي إلى اختناقات مرورية في عدد من شوارع الضاحية، وخاصةً في الأحياء الأكثر تضرراً، مع العلم أن الضاحية دائماً ما شهدت ازدحامات، إلا أنها تضاعفت.

فعلى طريق الليلكي، الذي كان له النصيب الأكبر من الغارات، تقول فاطمة ناصر الدين طالبة في الجامعة اللبنانية، تسكن في سكن طلاب على طريق الحدث، إن «طريق الليلكي والحدث هي أكثر الطرقات ازدحاماً، فقد عمدت البلدية إلى إغلاق أجزاء من الطريق نظراً إلى وجود خطر على المارة فيها، فأستقل طريقاً آخر طويلاً، ما يحول دون وصولي باكراً إلى محاضراتي، حالي كحال كل الطلاب المقيمين في الضاحية».

بدورها، أشارت رنا شريف، من سكان منطقة السان تيريز، إلى أن الطريق التي تسلكها يومياً «مليئة بالحفر والردم»، مضيفة إلى أن «البلدية تلجأ في كثير من الأحيان إلى قطع الطريق وتحويلها إلى طرقات أخرى، هذا ما عرضني في كثير من الأحيان إلى حوادث سير نجوت منها بأعجوبة، وذلك لأن غالبية الطرقات التي تحوّل الطرقات المغلقة غالبيتها يكون خط سيرها معاكساً لسيرنا، ذلك إلى جانب الكلمات النابية التي نسمعها من سالكي الطريق بسبب عدم معرفتهم بأن طريقنا قد حُوّل إلى طريقهم، ظناً منهم أننا من نخالف السير، وفي بعض الأحيان وبسبب عدم معرفتي بالطرقات ألجأ إلى تأجيل بعض الزيارات، أما في حالات الضرورة القسوى، فأترك سيارتي جانباً وأستقل سيارة أجرة، التي لا تختلف معاناة سائقها عنّا».

كما يعيق الركام عملية إعادة الإعمار، ما يؤثر سلباً في النشاط الاقتصادي وإعادة تأهيل المناطق المتضررة. في هذا السياق، يلفت علي شومان، صاحب محل حلاقة (صالون) في منطقة الجاموس، إلى أن «نسبة العمل انخفضت إلى النصف، فعدد من زبائني لم يعد باستطاعتهم القدوم إلى المحل»، مشيراً إلى أن «عدداً منهم لا يزالون يعيشون خارج الضاحية، أي في مكان نزوحهم، وذلك بسبب تضرر بيوتهم ولعدم صلاحيتها للسكن، إضافة إلى خوف بعض السكان من العودة إلى الضاحية».

إضافةً إلى التأخير في نقلها إلى الأماكن المخصصة، يشير متخصصون إلى أن الترابة المستخرجة من ركام الأبنية غير مناسبة لعمليات ردم البحر مباشرة، بل يُفضّل استخدامها لتعزيز مناطق مردومة، كما يقول متعهدون إن السعر المحدد لمناقصة إزالة الركام غير كافية لتغطية جميع العمليات المطلوبة، إضافةً إلى وجود كميات كبيرة من الغاز المشتعل في الكوستابرافا، ما يستلزم عملية فرز مسبقة تفادياً لكارثة محتملة.

ومن المتوقع أن تستغرق عملية إعادة الإعمار الكاملة حوالى أربع سنوات، مع التركيز على إزالة الركام وإعادة بناء المباني المتضررة لضمان عودة الحياة الطبيعية إلى الضاحية الجنوبية ومحيطها.

في النهاية، تُعد عملية إعادة تأهيل الطرقات جزءاً أساسياً من تطوير المدن وتحسين جودة الحياة فيها، فهي ليست مجرد تعبيد للشوارع، بل استثمار في سلامة المواطنين وانسيابية الحركة المرورية ودعم الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، يبقى التأخير في تنفيذ هذه المشاريع مشكلة متكررة تؤثر في الجميع، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء ذلك.

فهل يعود ذلك إلى ضعف التخطيط، نقص الميزانيات، تعقيدات إدارية، أم غياب الرقابة الفعالة؟ والأهم من ذلك، كيف يمكننا ضمان تنفيذ هذه المشاريع بسرعة وجودة عالية من دون تكرار نفس الأخطاء؟

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد