بعد محاولات لمنع تكريمهم ومشاركتهم، حصل صحافيو غزة على جائزة الصحافة لعام 2025 من قبل الجمعية الملكية للتلفزيون في بريطانيا خلال حفل الجوائز الذي أقيم يوم الثلاثاء في لندن.
يأتي هذا الفوز بعد الجدل الذي ثار أخيرًا عقب سحب الجمعية الملكية للتلفزيون لفئة "الجائزة الخاصة" هذا العام من موقعها بعد أن أُعلن عن ترشيح الصحافيين من غزة، من دون أسباب واضحة. ووجه أكثر من 370 شخصية مهنية في مجال التلفزيون والصحافة رسالة إلى إدارة الجمعية تطالبها بالشفافية حول قرار حذفها، ما أدى لاحقًا وبعد ضغوطات ومطالبات عدة إلى إعادة الجائزة.
رحبت مجموعة فنانون لأجل فلسطين، في وقت سابق من هذا الشهر، بإعادة الجائزة للموقع، وطالبت الجمعية الملكية للتلفزيون في بيان لها بإجراء "مراجعة تنظيمية شاملة بالتشاور مع القطاع الذي تدّعي تمثيله" حول ما جرى من سحب للجائزة وإعادتها لاحقًا. ويُرجّح أن سحب الجائزة جاء بعد الجدل الذي رافق سحب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) فيلمًا وثائقيًا عن قطاع غزّة، بحجة أن الراوي فيه نجل مسؤول في حركة حماس.
لكن، وفقًا لحاضرين لحفل توزيع الجوائز أمس، لم يُدعَ أحدٌ لاستلام الجائزة، ولم يُسمَع أي صوت فلسطيني، ولم تُذكر كلمة إسرائيل، ولم يُذكر حتى عدد الصحافيين الشهداء خلال الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة التي أودت بحياة 208 صحافيين فلسطينيين حتّى الآن.
في منشور للجمعية الملكية للتلفزيون عبر حسابها على موقع إكس، اكتفت بالقول إنّ فئة الجائزة الخاصة ذهبت للصحافيين في غزة مع صورة تصميم للجائزة من دون أي تفاصيل أخرى حول ذلك. أمّا في موقع الجمعية في خانة الفائزين بالجوائز، فكُتب: "تُشكّل أزمة الشرق الأوسط تحدّيًا بالغ التعقيد وسريع التطور بالنسبة للمؤسسات الإخبارية. مع تعذر عمل الصحافيين الدوليين في غزة، أصبحت تغطية هذه القصة الإخبارية المهمة على عاتق فرق الإعلام المحلية المتمركزة هناك. غالبًا ما يواجه هؤلاء مخاطر جمة في تغطية الأحداث فور وقوعها. هذه الجائزة ليست مُخصصة لشخص واحد، أو فريق واحد، أو حتى مؤسسة إخبارية واحدة، بل تُقدّر شجاعة والتزام الصحافيين الذين يُخاطرون بحياتهم يوميًا. لذلك، تُقدّم الجمعية الجائزة الخاصة للأخبار والصحافة للصحافيين في غزة".
صحافيو غزّة: نريد الحماية لا الجوائز
وجّهت مجموعة من الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية رسالة إلى الجمعية الملكية للتلفزيون في أعقاب هذا الفوز، قالوا فيها: "نكتب إليكم في غمرة استشهاد اثنين آخرين من زملائنا. فقد لقي حسام شبات ومحمد منصور حتفهما في غزة الاثنين لأنهما صحافيان. يُضاف هذان الصحافيان إلى أكثر من 200 صحافي فلسطيني آخرين قُتلوا خلال الأشهر 18 الماضية لأنهم كانوا رواة للحقيقة ينقلون قصص غزة إلى العالم".
أضافت الرسالة التي نشرها الصحافي يوسف حماش عبر حسابه على منصة إكس: "يستحق صحافيو غزّة التقدير. لكن هذا التقدير ليس حتى الحد الأدنى مما يستحقونه حقًا. هناك واجب أخلاقي يحتم عليهم الحصول على الحماية الدولية، والوصول، والدعم، والغضب العالمي لاستهدافهم الممنهج، والذي يُترجم إلى إجراءات حاسمة - وليس مجرد تصريحات أو مبادرات رمزية أو جوائز. يجب أن تُقابل شجاعتهم بشجاعة من الأفراد والمنظمات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم التي تُقدّر حرية الصحافة".
قالت الرسالة أيضًا: "نحن صحافيي غزة لا نسعى وراء الجوائز، مدركين أن لا قيمة لها في خضم القصف اليومي. نحن ملتزمون بتغطية أخبار الحرب على موطننا. إنه واجبنا بوصفنا أعضاء في هذا المجال. نتحمل مسؤوليتنا في نقل الأخبار إلى الجميع بأقصى درجات الجدية والحزم". وأكّدت أن الصحافيين الفلسطينيين في غزة تحملوا عبء التغطية الإعلامية، "بقوة وعزيمة لا تتزعزع، ولباقة، وابتكار، ونزاهة عميقة - وهي مسؤولية جسيمة تحملوها بمفردهم"، فيما قالت الرسالة "أن هذا هو أخطر وقت على الصحافيين الفلسطينيين في التاريخ، إلا أنهم يواصلون عملهم يومًا بعد يوم، رغم الخطر الكبير على سلامتهم وسلامة عائلاتهم".
جوائز هذا العام
أقيم الحفل الثلاثاء في فندق هيلتون لندن، وقدّمه الصحافي والروائي الكوميدي توم برادبي، ووتوزعت الجوائز على 29 فئة تلفزيونية مختلفة. تصدرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) السباق بـ16 فوزًا. ثلاث من هذه الجوائز ذهبت إلى المسلسل الكوميدي "ألم غير طبيعي" للمخرجة صوفي ويلان. أما الدراما الموسيقية "هذه المدينة" من إنتاج "بي بي سي"، لكاتب السيناريو الشهير ستيفن نايت، ففازت بالجائزتين الجديدتين المدمجتين عن فئة المسلسلات المحدودة والدراما الفردية.
مُنحت جائزة الصحافة الرقمية الأولى لهيئة الإذاعة البريطانية عن تحقيقها الصحافي في فيلم "عبادة تي بي جوشوا"، إذ أشادت لجنة التحكيم باستراتيجية المشروع الفعّالة في إيصال القصة إلى جمهور يصعب الوصول إليه. ومُنحت جائزة المساهمة المتميزة للمدير السابق للأخبار والشؤون الجارية في قناة "آي تي في"، مايكل جيرمي، تقديرًا لإنجازاته المهنية العديدة، مثل إعادة ابتكار برنامج أخبار الساعة العاشرة على القناة لمقدم واحد، وإنشاء نشرة الأخبار المسائية التي تستمر ساعة.
صرّح رئيس جوائز الجمعية الملكية للتلفزيون، أدريان ويلز، في بيان: "يُظهر الفائزون بجوائز الجمعية الملكية للتلفزيون للصحافة التلفزيونية هذا العام أفضل ما يمكن أن تقدمه صناعتنا القوية للغاية. تتجلى روح المبادرة والشجاعة والأصالة في جميع الفئات، والتي وضعت هذا العام معيارًا جديدًا للجودة". أضاف: "تُعتبر مؤسسات الإعلام الإخبارية التي تتخذ من بريطانيا مقرًا لها رائدة عالميًا في مجال صحافة الفيديو، وهذه الجوائز تُمثل تكريمًا رائعًا للصحافيين والمؤسسات الرائدة في صناعة البث التلفزيوني، والذين يسرّ الجمعية الملكية للتلفزيون تكريمهم والاحتفاء بهم".
تعد الجمعية الملكية للتلفزيون أقدم جمعية تلفزيونية في العالم، تأسست عام 1927، وهي مؤسسة خيرية تعليمية بريطانية تُعنى بمناقشة وتحليل التلفزيون بجميع أشكاله، وتملك 14 مركزًا إقليميًا ووطنيًا في بريطانيا، بالإضافة إلى فرع في جمهورية أيرلندا. مُنحت الجمعية لقبها الملكي عام 1966، وأصبح أمير ويلز راعيًا لها في نوفمبر/ تشرين الثاني 1997.