ريم هاني (الأخبار)
وسط التكهنات المتزايدة بأنّ استعداد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للتضحية بمصالح أوكرانيا وسائر حلفائه الأوروبيين، في سبيل التقرّب من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، يهدف، بشكل رئيسي، إلى إحداث شرخ في العلاقات الروسية – الصينية، ركّزت زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى موسكو، والتي بدأت الثلاثاء وانتهت أمس، على التأكيد أنّ العلاقات الثنائية بين الطرفين «أقوى من أي وقت مضى»، جنباً إلى جنب إظهار اتساق كبير في المواقف، ولا سيما في ما يتعلق بالحرب الأوكرانية – الروسية.
وعقب لقائه وانغ يي في موسكو، دعا بوتين إلى المضيّ قدماً في فتح «آفاق جديدة للشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين بكين وموسكو، في خضمّ «الاضطرابات العالمية الراهنة»، وتعزيز التعاون المتعدد الأطراف «داخل الأمم المتحدة و(منظمة شنغهاي للتعاون) ومجموعة (البريكس)». كما اتّفق وزير الخارجية الصيني ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، الثلاثاء، على تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، فيما أكّد لافروف أن روسيا والصين تتشاركان «تقليداً طويلاً من حسن الجوار والصداقة، وبينهما حدود طويلة ومصالح مشتركة واسعة».
وتعقيباً على اللقاء الأخير، نقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء عن كيريل باباييف، مدير «معهد الصين وآسيا الحديثة» التابع لـ«الأكاديمية الروسية للعلوم»، قوله إنّ زيارة وانغ يي لروسيا تؤكّد «المواءمة» في استراتيجيات روسيا والصين، في ما يتعلق بحلّ القضية الدولية الأساسية التي تعالجها القوى العظمى حالياً، أي الأزمة الأوكرانية، فضلاً عن التنسيق في إجراءاتهما على الساحة الدولية.
ويوضح الخبير أنّ الصين وروسيا «لا تعطيان الأولوية لحل النزاع في أوكرانيا فحسب، بل لعلاج أسبابه الجذرية أيضاً»، فيما يؤكّد اللقاء الأخير أنهما «تنظران إلى القضايا بعين واحدة». ويرى أنّ زيارة وانغ يي تهدف، من بين أمور أخرى، إلى «التنسيق بين الطرفين في شأن كيفية الرد على إجراءات الولايات المتحدة الأخيرة»، في إشارة إلى فرض الإدارة الأميركية المزيد من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، والتي يشير المصدر نفسه إلى أن بكين تخطط «للرد بشدة عليها».
ويذكّر باباييف بأن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حاولت، خلال ولايته الأولى، تقويض العلاقات الودية بين روسيا والصين، إلا أنّ تلك الجهود «باءت بالفشل»، فيما «أصبحت الصين وروسيا، اليوم، أقرب من أي وقت مضى، إحداهما من الأخرى، ليس فقط في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، بل ربطاً أيضاً بالتحديات الجيوسياسية الأخرى»، مضيفاً أنّ الزيارة الأحدث تعطي الأولوية لإظهار أنّ «عزل روسيا عن الصين أمر مستحيل، وأنّ الطرفين لا يزالان ينسّقان جهودهما في السياسة الخارجية».
وكان لافروف قد أكّد، في كلمته الافتتاحية قبيل اللقاء، أنّ «غالبية الدول، في جميع أنحاء العالم، تنظر إلى تنسيق الجهود بين موسكو وبكين على الساحة الدولية على أنه عامل استقرار»، منوّهاً إلى أنّ الجانبين يدركان جيداً مسؤوليتهما في «الحفاظ على التنسيق الوثيق على الساحة الدولية». وتأتي المواقف الصادرة من موسكو، في وقت لم تعُد فيه الإدارة الأميركية الحالية تخفي نواياها في ما يتعلق بضرورة «عدم السماح لروسيا والصين بالتوحّد»؛ ففي تشرين الأول من عام 2024، أكّد ترامب أنّ «الولايات المتحدة، في عهد جو بايدن، دفعت الصين وروسيا إلى التكتل معاً بشكل خاطئ»، مضيفاً «(أنني) سأضطر إلى ضمان عدم توحّدهما، وأعتقد بأنني أستطيع أن أفعل ذلك».
وفي وقت لاحق، بدأ ترامب، منذ دخوله البيت الأبيض، السعي لـ«احتواء الصعود الصيني» من خلال التقرب من بوتين، ونفض يده من الحرب الأوكرانية. وعقب مكالمة هاتفية مطوّلة مع نظيره الروسي، أكّد الرئيس الأميركي، أخيراً، في حديث إلى شبكة «فوكس نيوز»، أنّه «بصفتي ضالعاً في التاريخ، فإنّ أول ما تعلّمته هو أنك لا تريد أن ترى روسيا والصين تلتقيان معاً».
وعلى ضوء ما تقدّم، يشير موقع «ذا كونفرسيشين» الأسترالي إلى أنّه في حال كان خلق شقّ بين موسكو وبكين هو بالفعل الهدف النهائي لترامب، فإن رؤية الأخير تبدو «ساذجة وقصيرة النظر»، نظراً إلى أنّه «ليس من غير المرجّح أن تتخلى روسيا عن علاقتها مع الصين فحسب، بل إنّ كثيرين في بكين ينظرون إلى تعامل ترامب مع الحرب الروسية - الأوكرانية، وسياسته الخارجية بصورة أعم، على أنها مؤشّر ضعف لا قوة».
ويردف التقرير أنّ «المشهد الجيوسياسي اليوم يختلف عن حقبة الحرب الباردة التي شهدت الانقسام الصيني – السوفياتي»، ولا سيما أنّ البلدين اللذين نمت علاقتهما بشكل مطّرد منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، «يتشاركان المزيد من الأهداف الاستراتيجية الرئيسية، وعلى رأسها تحدّي النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة». ويجادل أصحاب الرأي المتقدّم بأنّ «بوتين ليس ساذجاً»، وهو يدرك جيداً أنّ «الإجماع الغربي ذا الجذور العميقة المعادي لروسيا»، وتحديداً في ما يتعلق بفرض عقوبات عليها، «لن يختفي في أي وقت قريب»، فيما تبدو ولاية ترامب الأولى، والتي اتّسمت بفرض عقوبات أكثر صرامة من ما فعلته إدارات باراك أوباما وجو بايدن، مثالاً واضحاً على ذلك.
وعليه، وفيما قد «يقبل بوتين، بكل سرور، اتفاق سلام يضحّي بمصالح أوكرانيا لصالح روسيا، بوساطة من ترامب»، فذلك لا يعني أنّ «الرئيس الروسي سيسارع إلى تبنّي أي دعوة للتوحد مع واشنطن ضدّ بكين». ومن جانبها، تنظر الصين، طبقاً للمصدر نفسه، إلى محادثات السلام التي أجراها ترامب مع روسيا وأوكرانيا على أنها علامة ضعف من المحتمل أن تقوّض «النزعات العدائية الأميركية تجاه بكين»، بينما يبدو أنّ الأخيرة استقت، أيضاً، درساً رئيسياً من تجربة موسكو في أوكرانيا، في ما يتعلق بمحدودية تأثير العقوبات الغربية على الدول الأخرى.
تعثّر المفاوضات
كان لافتاً تزامن زيارة المسؤول الصيني إلى موسكو مع «التعثّر» المتزايد في المفاوضات الروسية – الأميركية حول الملف الأوكراني أخيراً، ما دفع بترامب إلى التلويح، الأحد، بفرض عقوبات على الدول التي تشتري النفط الروسي، في حال «شعر أن موسكو تعرقل التوصل إلى اتفاق»، والإعراب عن «غضبه» من بوتين.
وعلى الرغم من «السخط» الأميركي المشار إليه، وإذ أعلنت روسيا أنّها «تأخذ الأفكار الأميركية على محمل الجد»، إلا أنّها رفضت، الثلاثاء، المقترحات الأميركية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، فيما أكّد نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، في حديث إلى وسائل إعلام حكومية، أنّ خطة ترامب «لا تتطرق إلى مطلبنا الرئيسي، والمتمثّل في حل الأسباب الجذرية لهذا الصراع»، في إشارة إلى أنّ موسكو وواشنطن لم تتمكنا حتى الآن من سد الفجوات التي تحدّث عنها بوتين قبل أكثر من أسبوعين، عندما أكّد أنّ المقترحات الأميركية «تحتاج إلى إعادة صياغة».
وبالتوازي، يحذّر العديد من المراقبين من أنّ الفشل في إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، جنباً إلى جنب تكثيف الضغط على إيران والصين، يخاطران بتعميق التعاون بين «محور الصين – روسيا – إيران – كوريا الشمالية»، والذي أطلق عليه مسؤولون غربيون، بالفعل، تسمية «CRINK»، ولا سيما في حال عمد ترامب إلى مضاعفة العقوبات على روسيا. وفي هذا السياق، تورد صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً جاء فيه أنّ الحرب الأوكرانية ضاعفت الروابط التي كانت موجودة أصلاً بين الدول المشار إليها، وجعلتها «تروّج لأنظمة بديلة للتنافس مع الولايات المتحدة، ولا سيما في مجالات التجارة والمال والأمن»، وفقاً لتقييم حديث أجرته وكالات التجسّس الأميركية.
ووسط مخاوف من تراجع موسكو عن محادثات وقف إطلاق النار، وتهديد ترامب بمزيد من العقوبات والرسوم الجمركية على روسيا، وتجديده لحملة «الضغط الأقصى» على طهران، فضلاً عن تهديده بعملية عسكرية تستهدف الأخيرة، جنباً إلى جنب تصاعد التوترات على خط العلاقات الأميركية – الصينية، على خلفية التعرفات الجمركية، يؤكد ضابط المخابرات السابق، كريستوفر شيفيس، في حديث إلى الصحيفة، أنّه «في حال تركت من دون أي رادع، فإنّ العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية، اللتين تمتلكان بالفعل أسلحة نووية، وإيران، القادرة تقريباً على إنتاج قنبلة ذرية، ستشكّل تهديداً خطيراً للغرب».