يُعدّ القرار القضائي الفرنسي بالإفراج عن المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله الذي صدر عن محكمة الاستئناف أمس، استثنائيًا بكل المقاييس.
يُعدّ القرار القضائي الفرنسي بالإفراج عن المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله الذي صدر عن محكمة الاستئناف أمس، استثنائيًا بكل المقاييس. واستثنائيته تنبع أولًا من رمزية عبد الله نفسه، المسجون في فرنسا منذ 41 عامًا، رغم إنهائه محكوميته في العام 1999، ما حوّله إلى واحد من أقدم السجناء السياسيين في أوروبا. وتنبع استثنائيته ثانيًا من تحرّر القضاء الفرنسي من الضغوط الأميركية - الإسرائيلية، التي رضخ لها لأكثر من 25 عامًا.
القرار صدر في جلسة غير علنية في قصر العدل في باريس، في غياب عبد الله، المسجون في لانميزان في مقاطعة أوت-بيرينه جنوبي فرنسا. وسيتم الإفراج عنه في 25 تموز الحالي، مع العلم أن إطلاق سراحه مشروط بأن يغادر الأراضي الفرنسية وألّا يعود إليها.
توقعت مصادر لوكالة «فرانس برس» أن تقتاد قوات حفظ النظام عبد الله إلى مطار تارب (جنوب) قبل نقله إلى مطار رواسي في ضاحية باريس، حيث سيستقل رحلة إلى بيروت.
من الممكن للنيابة العامة الطعن في قرار محكمة الاستئناف أمام محكمة التمييز، ولكن هذا لن يعلق تنفيذ الحكم، ولن يمنع بالتالي عبد الله من العودة إلى لبنان. وكانت الدولة اللبنانية التي تطالب نظيرتها الفرنسية منذ سنوات بإطلاق سراحه، قد أكدت لمحكمة الاستئناف في وثيقة خطية أنها ستتكفل بتنظيم عودته إلى البلد.
«أنا مقاتل ولست مجرمًا»
روبير، شقيق عبد الله، أكد أنه لم يتوقع أن «يصدر القضاء الفرنسي قرارًا مماثلًا، وأن يأتي يوم يصبح فيه (جورج) حرًا بعدما جرت عرقلة إطلاق سراحه أكثر من مرة»، مضيفًا: «لمرة واحدة حررت السلطات الفرنسية نفسها من الضغوط الأميركية والإسرائيلية».
كان قد حُكم على عبد الله البالغ حاليًا 74 عامًا، سنة 1987 بالسجن مدى الحياة، بتهمة الضلوع في اغتيال ديبلوماسي أميركي وآخر إسرائيلي في العام 1982. وبات مؤهلًا قضائيًا للإفراج المشروط منذ 25 عامًا، ولكن 12 طلبًا لإطلاق سراحه رُفضت كلها.
لم يُقرّ عبد الله بضلوعه في عمليتي الاغتيال اللتين صنفهما في خانة أعمال «المقاومة» ضدّ «القمع الإسرائيلي والأميركي» في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) والاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في العام 1978. وقال الرجل ذو النظرة الصافية واللحية الكثة في معرض دفاعه عن نفسه أمام القضاة إن «الطريق الذي سلكتُه، أملَته علي انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد فلسطين»، مُرددًا: «أنا مقاتل ولست مجرمًا».
باستثناء عدد ضئيل من المؤيدين الذين واصلوا التظاهر كل سنة أمام سجن عبد الله وبضعة برلمانيين يساريين، بات المعتقل منسيًا على مرّ السنين بعدما كان في الثمانينيات العدو الأول لفرنسا وأحد أشهر سجنائها. ولم يكن سبب هذا الاهتمام قضية اغتيال الديبلوماسيين، بل لأنه اعتُبر لمدة طويلة مسؤولًا عن موجة هجمات شهدتها باريس في 1985 - 1986، أوقعت 13 قتيلًا.
مقاومٌ لإسرائيل... والإمبريالية
وُلد عبد الله في 2 نيسان 1951 في قرية القبيات في عكار، وانتسب منذ الخامسة عشرة إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. ثم عمل في مجال التعليم. أُصيب أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1978، وانضم إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
بعدها، أسس مع أفراد من عائلته «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، وهي تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية تبنّى خمسة هجمات في أوروبا بين عامي 1981 و1982 في إطار نشاطه المؤيد للقضية الفلسطينية. وأوقعت أربعة من هذه الهجمات قتلى في فرنسا.
اعتقل عبد الله في ظروف استثنائية. فقد دخل في 24 تشرين الأول 1984 إلى مركز للشرطة في ليون، طالبًا الحماية من عناصر «الموساد» الإسرائيلي الذين يطاردونه.
كان حينها يحمل جواز سفر جزائريًا. لكن مديرية مراقبة الأراضي الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحًا وإنما هو عبد القادر السعدي، وهو اسمه الحركي. وعُثر في إحدى شققه في باريس على أسلحة بينها بنادق رشاشة وأجهزة إرسال واستقبال.
حُكم على عبد الله في العام 1986 في ليون بالسجن أربع سنوات بتهمة التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومتفجرات، وحوكم في العام التالي أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال الديبلوماسيَّين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمينتوف في العام 1982، ومحاولة اغتيال ثالث في العام 1984.
على الرغم نفي عبد الله التهم وتأكيده أنه ليس سوى «مقاتل عربي»، إلّا أن القضاء حكم عليه بالسجن مدى الحياة، بعدما طلب النائب العام سجنه عشر سنوات.
منذ العام 1999، وهو العام الذي صار فيه مؤهلًا للإفراج عنه، رُفضت كل طلباته للإفراج المشروط باستثناء طلب واحد في العام 2013، ولكن شرط ترحيله، وهو ما لم ينفذه وزير الداخلية آنذاك، مانويل فالس. أمّا عبد الله، فلم يُعرب يومًا ورغم كلّ ذلك عن الندم.