الأخبار
تراجعت العناوين المتصلة بالأزمة السياسية التي يعيشها لبنان أمام العاصفة التي هبّت من سورية، وتحديدًا من جنوبها. إذ إنعكست أحداث محافظة السويداء على مجمل الوضع اللبناني الذي بدا قلقًا حيال إمكانية حصول تداعيات ميدانية ذات بُعد انتقامي وتحوّلها إلى صاعق تفجيري، وسط انقسام ارتسم على الساحة الدرزية.
ومنذ سقوط النظام في سورية، وإلى ما قبل أشهر قليلة، جرى التعامل مع تطوّرات الساحتين اللبنانية والسورية، على أنها تعنى الطائفة الشيعية وحدها، في ما ظنّ البعض أنّ بإمكانه الوقوف على ضفاف النهر متفرّجًا على "حزب الله" وبيئته. ولكن لم يمرّ وقت طويل على الكرنفالات الاحتفالية بـ "تحرّر" سورية وتقليم أظافر محور المقاومة، حتّى بدأت الصورة تتّضح: "سيول الشامج تتهدّد الجميع بلا استثناء.
الحدث، هذه المرة، ليسَ في الضاحية ولا في الجنوب ولا في البقاع، بل في الجبل وفي كلّ منطقة درزية أو قرية يتعايش فيها الدروز مع مواطنين من طوائف أخرى. إذ إنّ مَن يتجوّل في تلك المناطق يشعر بحالة من الغليان قد لا يطول بها الوقت حتّى تنفجر، وهي تنطوي على أبعاد كثيرة متشابكة ومعقّدة، تتداخل فيها عوامل سياسية وأمنية واجتماعية، تتجاوز مواقف الزعامات الدرزية.
فما حصل في سورية يتجاوز كلّ الخطوط والسقوف، وهو وصل إلى مرحلة اللاعودة، وفق ما انعكس بشكل جليّ على ألسنة الدروز من كلّ الأحزاب والتيارات، والذين لم يعودوا ينتظرون تقدير الموقف من مرجعياتهم. فلم يَعد يعنيهم ما يقوله الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، عن عدم الوقوع في فخّ مشروع قديم جديد، يسعى لفصل الدروز عن محيطهم العربي والإسلامي، وزرعهم في سياق تحالفات أقلية، كما لم يَعد يقنعهم كثيرًا كلام رئيس الحزب الديمقراطي، طلال إرسلان، عن أنَ "الحماية لا تأتي من "إسرائيل" ولا من (الرئيس السوري الانتقالي، أحمد) الشرع".
صحيح أنّ حالة الغليان تلك، والتي تفاقمت إثر انتشار فيديوهات تُظهر انتهاكات بحق مشايخ الطائفة وأفرادها في السويداء، لم تترجم انفجارًا بعد، إلا أنها ولّدت خوفًا من إمكانية انتقال الهبّة إلى لبنان، خصوصًا بعد ردّات الفعل التي ظهرت تجاه عدد من اللاجئين السوريين، وما حصل من قطع للطرقات.
وفي سياق شرح الواقع على الأرض، قال مطّلعون إنّ "جنبلاط يواجه معضلة كبيرة في إقناع حتّى قاعدته الشعبية بما يقوله"، في ما تردّدت معلومات حول "وجود حالة اعتراضية في شارع الاشتراكي كانت ستترجم على شكل وقفة أمام المختارة قبل تدارك الوضع". وإزاء ذلك، يحاول جنبلاط تبرير الموقف بـ"خوفه من استفاقة الشياطين، بما يؤدّي إلى توتّر كبير مع السوريين الموجودين في لبنان، أو أن ينسحب ذلك توتّرًا درزيًا – سنيًا، في وقت لا تزال فيه حالة التشنّج بين الدروز والشيعة قائمة".
وبحسب مصادر مطّلعة، فإنّ "الاتصالات قائمة داخل الطائفة بهدف احتواء التوتّر، خصوصًا أنّ الصوت المسموع داخلها اليوم هو الذي يميل إلى فكرة الحماية الذاتية والتسلّح في مواجهة الإرهاب"، وهو ما عبّر عنه الشيخ القاضي نزيه إبراهيم ردًّا على النائب مارك ضو الذي قال إنّ "السلاح ما بيبني دولة"، بقوله إنّ "الكرامة بالسلاح".
وفي السياق نفسه، لفتت مصادر "الاشتراكي" إلى أنّ "جنبلاط يبذل جهدًا استثنائيًا لضبط الشارع الدرزي، وهناك تعاون كبير مع الأجهزة الأمنية لتحييد المناطق الدرزية عن أي انعكاسات أو تداعيات. ويبدو أنّ تلك الجهود نجحت حتّى الآن، إذ لم تسجّل إلا حادثة وحيدة على أوتوستراد صوفر - عاليه، حيث تجّمع عشرات الشبّان وأقفلوا الطريق هاتفين: بالروح بالدم نفديكِ يا سويداء، قبل أن يتدخّل الجيش لفتح الطريق".
وأجرى رئيس الحكومة، نواف سلام، من جهته، اتّصالًا بجنبلاط، وأثنى على "الجهود التي قام بها وسائر الفعاليات في مختلف المناطق لتفادي أي إشكالات داخلية تهدّد استقرار وطننا ومسار استعادته لسلطة الدولة التي تبقى المرجعية لجميع اللبنانيين".