اوراق مختارة

أنقرة - واشنطن: مشاريع مقايضات على الطاولة

post-img

محمد نورالدين (الأخبار)

تشهد العلاقات التركية - الأميركية نشاطاً متسارعاً، تراجع الاهتمام به قليلاً بعدما طغت عليه التطوّرات الداخلية التي أعقبت اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الشهر الماضي. وشهدت العلاقات بين البلدَين، حدثَين بارزين: الاتصال بين الرئيسَين التركي رجب طيب إردوغان، والأميركي دونالد ترامب، في الـ16 من آذار الماضي؛ واللقاء الذي جمع، في الـ25 منه، وزير الخارجية حاقان فيدان، إلى نظيره ماركو روبيو، والذي سبقه آخر بين مستشارَي الأمن القومي، التركي تشاغاتاي كيليتش، والأميركي مايكل والتز.

وعلى هذه الخلفية، يمكن الإشارة إلى الآتي:
أولاً: سبق اتصال إردوغان - ترامب بثلاثة أيام، اعتقال إمام أوغلو. غير أن تصريحات لمبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بدت مثيرة للاهتمام، إذ أدلى بها في ذروة أحداث إسطنبول وانتفاضة "حزب الشعب الجمهوري" على إردوغان، بسبب اعتقال إمام أوغلو. وممّا قاله ويتكوف، في حوار تلفزيوني في حينه، إن المكالمة كانت "عظيمة ونقطة تحوّل" في العلاقات التركية - الأميركية، وإن "أخباراً جيدة تأتي من تركيا"، وإن واشنطن منفتحة على بيع أنقرة مقاتلات "إف-16"، وربما أيضاً "إف-35" في حال جمّدت الأولى نهائياً عمل صواريخ "إس-400" الروسية.

ثانياً: في ذروة تحرُّك المعارضة ضدّ إردوغان، التقى ترامب في واشنطن، سفيره الجديد لدى تركيا، توماس باراك، وهو صديق غولف قديم ورجل أعمال ثري، كما أنه كان داعماً لحملته الانتخابية. وخلال اللقاء المذكور، شكر باراك، ترامب على تعيينه في "أحد بلدان الحضارات القديمة"، ليردّ الرئيس الأميركي، بالقول: "إنه بلد جيّد وزعيمه جيّد".

وهكذا، أغدق ترامب، مجدّداً، المديح على إردوغان، وذلك في ذروة الأحداث التي أعقبت اعتقال إمام أوغلو، وكأنّ شيئاً لم يحصل في تركيا؛ علماً أن الرئيس الأميركي كان وصف نظيره التركي، بعد سقوط النظام في سوريا، بأنه "زعيم قوي بنى جيشاً قوياً ونجح في إنهاء حكم الأسد وإيران في سوريا".

ثالثاً: خلال اللقاء الذي جمع فيدان وروبيو، أدلى هذا الأخير بتصريح يتيم تعليقاً على الحدث التركي، حين قال إن الولايات المتحدة "تشعر بالقلق من جرّاء الأحداث". وبذلك، يمكن القول إن إردوغان استغلّ الدعم الأميركي له، وردود الفعل الأوروبية الخجولة على اعتقال إمام أوغلو، ليمضي قدماً في محاولة إحكام قبضته على كل مفاصل السلطة.

وممّا يذكره الكاتب مراد يتكين، في مقالة له نهاية الشهر الماضي، هو أن ما يريده إردوغان من ترامب معروف: قطْع الدعم الأميركي عن "قسد" و"حزب العمال الكردستاني"، بيعه مقاتلات "إف-35" مقابل تعطيل "إس - 400" الروسية، ورفع حجم التجارة بين البلدين إلى مئة مليار دولار، وأخيراً استقبال الرئيس الأميركي له في البيت الأبيض في أقرب وقت. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن زعيم "حزب العدالة والتنمية" لم يلتقِ قطّ الرئيس السابق جو بايدن، إلا على هامش قمم ومناسبات أطلسية أو عالمية.

لكن ترامب لن يعطي إردوغان ما يريده من دون مقابل. وفيما تتباين الاحتمالات في هذا الشأن، تقول صحيفة "حرييات" إنه يريد "مقابلاً دسماً" عبّر عنه روبيو خلال لقائه مع فيدان، وهو "ضرورة التعاون الوثيق بين تركيا والولايات المتحدة لكي لا تشكّل سوريا قاعدة للإرهاب وممراً للنشاطات التخريبية لإيران". ووفقاً ليتكين: "تريد واشنطن نزع سلاح حماس في غزة والتوجّه إلى العمل السياسي، فيما يطالب الرئيس التركي بنزع سلاح حزب العمال الكردستاني قبل التوجّه إلى العمل السياسي". وعملية المقايضة هذه، بحسبه، "قد تكون قائمة"، أي "نزع سلاح حزب العمال الكردستاني بدعم أميركي، ونزع سلاح حماس بدعم تركي".

ويتابع أنه "إذا سارت الأمور في هذا الاتجاه، سيكون إردوغان مرتاحاً إلى وضعه الداخلي، وبالتالي يمكنه تعديل الدستور (بالتعاون مع النواب الأكراد) ليتمكّن من الترشّح للرئاسة مرّة ثالثة ورابعة وخامسة". وعلى تلك الخلفية ربما، كان ردّ فعل زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، أوزغور أوزيل، حادّاً بقوله لإردوغان: "لا تبع قضية فلسطين من أجل ترامب".

وفي سياق شبيه، يقول محمد علي غولر، في صحيفة "جمهورييات"، إن الولايات المتحدة ترى أنه يمكن تركيا أن تساعد في ثلاثة مواضيع مهمة لأميركا، وهي: "تأثيرها على حماس في غزة، ونفوذها على التنظيمات المسلحة في سوريا في مرحلة إنشاء سوريا الجديدة، والأهمّ المساعدة في تشديد الحصار على إيران". وبحسب الكاتب، فإن ترامب قال لإردوغان في مكالمة 16 آذار: "سنعمل معاً في سياساتنا الإقليمية"، أي قضايا أوكرانيا والقوقاز وسوريا وغزة والبوسنة والبحر الأسود. لكنّ الأهم هنا، هو تعاون البلدين ضدّ إيران؛ إذ إن فيدان نفسه صرّح قبل فترة ضدّ الجمهورية الإسلامية، ما جعل العلاقات بين البلدين تزداد توتراً.

كذلك يلفت الكاتب إلى أن هناك "رابطاً بين اتفاق قسد - دمشق ونداء أوجالان لترك السلاح، وهو إنشاء تحالف كردي - تركي في وجه إيران". ويرى غولر أن "العلاقات التركية - الأميركية تشهد نقطة تحوّل بعدما نجح إردوغان في تغيير المعادلات: إنهاء حكم البعث، انهيار الهلال الشيعي، إنهاء الحلم الروسي بالوصول إلى المياه الدافئة. وهذا يتطلب المزيد من تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل". ويضيف أن هذه السياسات تتطلّب في الاستراتيجية الأميركية الجديدة، "تأبيد حكم إردوغان وتعزيز سلطته المطلقة أساساً".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد