تعيش الولايات المتّحدة تصعيدًا شرسًا في حملتها القائمة على الملاحقة بالاعتقال والإبعاد للناشطين من الطلاب الجامعين المناهضين لحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة، والممتدة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لقد شهدت الجامعات الأميركية موجةً من الاحتجاجات الطلابية المناهضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، قوبلت بإجراءاتٍ قمعيةٍ من قبل السلطات وإدارات الجامعات آنذاك. فقد انطلقت الاحتجاجات في إبريل/نيسان 2024 من جامعة كولومبيا في نيويورك، حيث نظّم الطلاب اعتصاماتٍ ومخيماتٍ تطالب بوقف التعاون الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات من الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي؛ وسرعان ما انتشرت هذه الاحتجاجات إلى جامعاتٍ مرموقةٍ مثل هارفارد، ييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بالإضافة إلى جامعات في ولايات تكساس، كاليفورنيا، وأريزونا.
مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته الرئاسية الجديد، نجد أن السلطات الأمنية قد أخذت منحىً جديدًا في مواجهة الذين شاركوا في هذه الاحتجاجات، من خلال إطلاق حملة على من تصفهم بـ"داعمي الإرهاب" في جامعات الولايات المتّحدة، والتي شملت ملاحقة الطلاب المقيميين المشاركين في الاحتجاجات المناهضة للعدوان على غزّة لغايات ترحيلهم.
بدأت الحملة مع اعتقال ضباط وزارة الأمن الداخلي الأميركية الطالب الفلسطيني محمود خليل من مقر إقامته الجامعي في جامعة كولومبيا، ثمّ اتُبع هذا الإجراء مع غيره من الطلاب. لكن اللافت في هذا الأمر، أن سرعة الإجراءات التي تتخذها الدولة من أجل ترحيل الطلاب صادمة بالنظر إلى سير الإجراءات في سياقها الطبيعي داخل دائرة الهجرة الأميركية.
منذ البداية نُقل محمود للحجز في مركز احتجازٍ في نيوجيرسي، ثمّ إلى منشأة احتجازٍ في لويزيانا. وقد قدمت الحكومة الأميركية مبرراتٍ لاعتقاله استنادًا إلى بندٍ نادر الاستخدام من قانون الهجرة والجنسية لعام 1952، الذي يسمح لوزير الخارجية باعتبار وجود شخص ما تهديدًا للسياسة الخارجية الأميركية. طعن في نقل محمود إلى لويزيانا من الفريق القانوني العامل على قضيته، وأقر القاضي الفدرالي برفض طلب الحكومة الأميركية في هذا النقل، مؤكدًا ضرورة احترام الإجراءات القانونية. إلى جانب ذلك، اعتبر الفريق القانوني أنّ هذا الاعتقال يشكل انتهاكًا للتعديل الأول من الدستور الأميركي الذي يضمن حرية التعبير، وأشاروا إلى أنّ استهداف غير المواطنين بسبب آرائهم السياسية يُعد تمييزًا في وجهات النظر، وهو أمرٌ غير دستوريٍ.
يُرجع بعضهم السبب وراء هذه الحملة إلى سياسة الرئيس ترامب في إطار برنامجه الأوسع لمحاربة التعليم العالي، والنيل من نظام التعليم الحالي في أميركا
تخط الحكومة الأميركية وأجهزتها الأمنية من خلال هذه التطورات مسارًا جديدًا في الانتهاكات القانونية، ولكن هذه الانتهاكات أصبحت للنظم القانونية الداخلية، بل على صعيد الدستور الأميركي. إذ أُتبعت هذه الإجراءات المُتخذة بحقّ الطلاب الداعين إلى وقف حرب الإبادة في قطاع غزّة بإداناتٍ شديدةٍ، وندد المشرعون الديمقراطيون والمنظّمات الأميركية والمنظمات الحقوقية الدولية باعتقال الطلاب والتهديد بترحيلهم، مشيرين إلى أنّ ذلك يعد انتهاكًا لحرية التعبير التي يكفلها الدستور الأميركي.
إلى جانب ذلك، وصفت التهديدات والإجراءات المتخذة بحقّ الطلاب بأنّها هجومٌ مرعبٌ على حقوق الإنسان، وتندرج تحت محاولات تخويف النشطاء المؤيدين لفلسطين، ما يمثّل تهديدًا لحرية التعبير، وحقّ التنظيم، وتعد سابقةً خطيرةً في قمع الآراء السياسية للطلاب غير المواطنين، ورأى أنّ الحكومة تستغل قوانين الهجرة لأغراضٍ سياسية تخالف روح القانون، والتفسير المنطقي للدستور؛ بينما يُرجع بعضهم السبب وراء هذه الحملة إلى سياسة الرئيس ترامب في إطار برنامجه الأوسع لمحاربة التعليم العالي، والنيل من نظام التعليم الحالي في أميركا، وأنه يستخدم المحتجين "كبش فداءٍ" لقاء هذه السياسات، مشيرين إلى أنّ البيت الأبيض ألغى منحًا وعقودًا بقيمةٍ إجماليةٍ تبلغ 400 مليون دولار لجامعة كولومبيا على سبيل المثال.
في الختام؛ لا تزال قضية محمود خليل، وغيره من الطلاب المناصرين لفلسطين، قيد النظر في المحاكم الأميركية، مع استمرار الجدل حول قانونية الاعتقال، والترحيل المحتمل مستقبلًا. وتفتح هذه القضايا باب النقاش الأوسع حول السياسات الحكومية الأميركية، وعلاقتها مع الدستور، في ما يتعلق بحرية التعبير وحقوق المهاجرين في الولايات المتّحدة، خصوصًا في سياق الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين، وإلى أي درجةٍ يمكن انتهاك القوانيين المحلية، في إطار دعم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولو على صعيد الدستور الأميركي، الأمر الذي يُظهر الاصطفاف التام للمنظومة الأميركية سواءً في عهد جو بايدن، أو ترامب، إلى جانب حرب الإبادة الجماعية في غزّة على كافة الصعد السياسية والعسكرية.