فراس الشوفي (الأخبار)
لم يكد وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقّتة، أسعد الشيباني، ينهي لقاءاته في نيويورك - التي بذل السعوديون والقطريون جهودًا مضنية لفتح أبوابها أمامه -، محاولًا إقناع العالم بأن الحكومة التي ينتمي إليها تستحق الدعم ويمكن تعليق الآمال عليها، حتّى اندلعت أعمال العنف الطائفي في جرمانا وصحنايا. فبينما لم تجفّ بعد دماء الضحايا في حمص وحماه والساحل السوري، بنتيجة أعمال القتل والانتهاكات المستمرة منذ سقوط النظام السابق بحق العلويين السوريين بشكل خاص، ولم تصدر أي نتائج ذات قيمة عن لجنة التحقيق المفترضة، أشعلت الجماعات المتطرّفة جبهة داخلية جديدة في دمشق وجنوبها، ضدّ الدروز هذه المرّة.
وإذا كانت الذريعة التقليدية لقتل العلويين هي "فلول النظام"، فإن الذريعة الجديدة للاستهداف الطائفي الممنهج ضدّ الدروز، تمثّلت بتسجيل صوتي مشبوه، قيل إنه لدرزي، أطلق خلاله ألفاظًا مسيئة بحق النبيّ محمّد. ولم تشفع الإدانات للتسجيل المذكور من رجال الدين الدروز ولا من سياسيّيهم، لتبريد لهيب التحريض الطائفي المتسارع. لا بل على العكس؛ ظهرت على السطح سريعًا نتائج التعبئة المذهبية اليومية التي تمارسها جهات عديدة في سورية، بعضها محسوب على السلطة أو عضو فيها، من دون خجل، بحق غالبية الجماعات الإثنية والدينية من أبناء الشعب السوري، وحكم "دولة الأمراء" الذي يبنيه الشرع في دمشق.
وكما العادة، يختلط الحابل بالنابل حين تأتي المسألة على تحديد هويّة العناصر والمجموعات التي بدأت اعتداءاتها الموثّقة على ضاحية جرمانا جنوب دمشق، ثمّ انتقلت إلى أشرفية صحنايا في ريف دمشق الغربي أمس، قبل أن تختم النهار بهجمات متفرّقة على قرى المقرن الغربي والشمالي لمحافظة السويداء، كالصَّوَرَة الكبيرة ورساس وعرى. ومن غير الواضح، مدى تورّط "القوات النظامية" التابعة للحكومة الجديدة في الاعتداءات، ولكن اكتشاف ذلك لن يكون صعبًا في الأيام المقبلة مع انتشار فيديوهات وصور توثّق مشاركة بعض المجموعات النظامية وفصائل عشوائية أخرى في الهجمات الدموية.
والأكيد أن أحداث الأيام الأخيرة وفّرت مادة دسمة للمراقبين الدوليين الذين يتابعون الأوضاع في سورية عن كثب، كما أعطت "إسرائيل" مادة دسمة أيضًا لتذخير مشروع تقسيم سورية من بوابة حماية الدروز، وهي التي لا تحتاج إلى ذرائع أصلًا. لكنّ الذين تأمّلوا خيرًا في التحوّلات التي طرأت على "أبو محمد الجولاني" وتحوّله إلى أحمد الشرع، من الغربيين على وجه الخصوص، وصلوا إلى مرحلة من الخذلان والحرج من سلوك السلطة الحالية وأخطائها، التي لم يعد من الممكن التغاضي عنها، بعد أن حقّق الغربيون مكاسبهم الإستراتيجية بإسقاط النظام السابق.
حتّى إن أغلب الدبلوماسيين والأمنيين الأجانب، والذين راهنوا خلال الأشهر الماضية على ذكاء الشرع، باتوا يردّدون أن "السيناريو الذي كنا نخشاه يحصل الآن". وسواء كانت أعمال العنف والفوضى من جماعات تمون عليها سلطة الشرع أو لا تمون، فإن النتيجة واحدة، وهي الفوضى وضعف قدرة الرئيس الانتقالي على السيطرة على الفصائل وضبطها من جهة، وتفشّي الأفكار المتطرّفة لدى القوات الأمنية التابعة له والقوات التي يشكّلها من متطوعين حديثًا من جهة ثانية، بينما يجهد جيش المشايخ والفقهاء لإحداث تغييرات جذرية بشكل متسارع في بنية المجتمع السوري.
وباستثناء الأتراك والبريطانيين وبعض الدبلوماسيين الألمان الذين يعملون ضمن فريق وزيرة الخارجية الحالية أنالينا بيربوك (تغادر منصبها في حال الانتهاء من تشكيل الحكومة الجديدة في برلين)، صار التعويل الغربي على تحوّلات إيجابية في سلوك الشرع نادرًا. وعلى العكس من ذلك، زادت مخاوف دول غربية كثيرة - إلى جانب روسيا والولايات المتحدة -، من مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان من أن مصير سورياذ هو الفشل والسقوط في الفوضى، مع تكرار التوترات الطائفية وهيمنة المتطرّفين السوريين والأجانب على الأرض أمنيًا وعسكريًا، بينما يتولّى الشرع ووزراؤه محاولة تجميل الحقائق.
وحدها "إسرائيل" تبدو مسرورةً بتراكم أخطاء الشرع، وهو الذي لا يتورّع عن تقديم التطمينات لها، وتوجيه الرسائل الإيجابية عبر تطوير العلاقات مع منظمات يهودية وصهيونية وفتح أبواب دمشق أمامها. لكنّ هذه الخطوات لم تدفع "تل أبيب" إلى مراعاة الرجل حتّى، بل استغلّت الأوضاع أمس ودخلت بشكل مباشر على خط المعارك، محاولةً تظهير دورها كحامية للدروز في سياق خطواتها للهيمنة على الجنوب السوري، وتقسيم سورية وفق ما طالب به أول أمس، وبشكل صريح، وزير المالية المتطرّف بتسلئيل سموتريتش.