اوراق مختارة

الأويغور على رأس "المعفوّ عنهم".. واشنطن لدمشق: نعم لاستيعاب "الجهاديين"

post-img

عامر علي (الأخبار)

أعلنت واشنطن موافقتها على ضمّ مجموعات «جهادية» إلى هيكلية وزارة الدفاع السورية الناشئة، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات حول سبب تراجع واشنطن عن موقفها.

بعد أن شكّل ملف المقاتلين الأجانب عقدة في مسار الانفتاح الأميركي على الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في ظل إصرار الإدارة الأميركية على استبعاد أولئك المقاتلين، أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، موافقة بلاده على ضمّ مجموعات «جهادية» إلى هيكلية وزارة الدفاع السورية الناشئة. ويفتح هذا الأمر الباب أمام تساؤلات عديدة حول سبب تراجع واشنطن عن موقفها، بعدما أشعلت قضية المقاتلين الأجانب جدلاً واسعاً منذ اللحظة الأولى لوصول الشرع إلى سدّة الحكم؛ إذ تمسّكت أوروبا، عبر فرنسا وألمانيا، بضرورة إبعاد هؤلاء، باعتبار ذلك أحد شروط الانفتاح الأوروبي على إدارة الشرع.

كما أعلنت الولايات المتحدة أكثر من مرة موقفاً مشابهاً، اتّخذ طابعاً رسمياً بعد أن سلّمت الشرع قائمة من ثمانية شروط لانفتاحها عليه، ردّ الشرع عليها بكتاب خطّي، حمل توضيحات دقيقة حول سبعة مطالب، تتضمّن ضمان أمن الجوار (بما يشمل إسرائيل)، ووقف نشاط الفصائل الفلسطينية وإبعادها، والمساعدة في ملف الأسلحة الكيماوية، ليبقى ملف المقاتلين الأجانب مثار جدل، ويلتفّ عليه الشرع بالطلب إلى واشنطن مناقشته.

وفور تولّيه السلطة، قام الشرع بمنح عدد من الجهاديين الأجانب رتباً عسكرية، وذلك في إطار المساعي لبناء جيش جديد، بعد انحلال الجيش السابق. وبين هؤلاء «الجهاديين»، شخصيات مصرية وأردنية وتركية وتركستانية، من مثل عبد العزيز داود خدابردي (أبو محمد التركستاني) من تركستان والذي تسلّم رتبة لواء، عمر محمد جفتشي (مختار التركي) من تركيا - رتبة لواء -، عبدل صمريز يشاري من ألبانيا - رتبة عقيد -، مولان تيرسون عبد الصمد من طاجيكستان - رتبة عقيد -، علاء محمد عبد الباقي من مصر - رتبة عقيد -، وإبنيان أحمد حريري من الأردن - رتبة عقيد -. ومهّد ذلك للبدء بتأسيس جيش سوري جديد يلعب فيه المقاتلون الأجانب دوراً بارزاً، بناءً على المهمة التي أدّاها هؤلاء في دعم عملية إسقاط نظام بشار الأسد.

على أن إعلان باراك، والذي ركّز على المقاتلين الأويغور بشكل كبير، لم يكشف بشكل صريح عن مصير بقية الفصائل الأجنبية، بما فيها الشيشان، والفرنسيون، وما تبقّى من ألبان، بالإضافة إلى الجهاديين العرب من الأردن ومصر والخليج والمغرب. وإذ تشير تقديرات إلى أن المقاتلين الأويغور (معظمهم من الحزب الإسلامي التركستاني)، والذين يبلغ عددهم نحو 3500 مقاتل قدموا من الصين ودول مجاورة، سيتم ضمّهم إلى وحدة عسكرية جديدة تمّ تأسيسها حديثاً تحت اسم «الفرقة 84» في الجيش السوري الناشئ، فإن التركيز عليهم يرتبط فعلياً بجملة من الأبعاد؛ إذ يُعتبر الأويغور من أبرز القوى الجهادية المعادية للصين، الدولة التي تعتبرها الولايات المتحدة التهديد الأبرز لها، الأمر الذي يعطي الموقف الأميركي بعداً سياسياً، خصوصاً بعد أن استقدم الأويغور أعداداً كبيرة من عائلاتهم للعيش في إدلب، عبر شبكة تهريب «جهادية» لعبت دوراً كبيراً في عمليات استقطاب المقاتلين وإدخالهم إلى سوريا.

كذلك، يرتبط التركيز عليهم بالموقف الأميركي منهم، والذي تغيّر عام 2020 بعد شطب «الحزب الإسلامي التركستاني» من قوائم الإرهاب الأميركية، وهو ما شكّل بالنسبة إلى واشنطن أرضية قانونية داخلية للتعامل معهم. كما يرتبط الموقف الأميركي المستجدّ بنظيره التركي، في ظل مساعي أنقرة لضمان أمنها؛ إذ شكّل هؤلاء المقاتلون تهديداً محتملاً للأخيرة خلال السنوات الماضية، ما يعني أن دمجهم في القوات المسلحة الرسمية، سيكفل عدم عبورهم إلى الجهة الشمالية من الحدود، في ظل التحكّم التركي الكبير بالملف السوري، وتعهّد الإدارة السورية الجديدة بضمان أمن جوارها، وبالتالي إبقاء أنشطة هذه الجماعات داخل الجغرافيا السورية.

بشكل عام، لا يُعتبر المقاتلون الأجانب قوة مساعدة للفصائل المتشدّدة التي كانت تحكم إدلب، وانطلقت منها للسيطرة على سوريا، بل لعب الأجانب دوراً محورياً في عمليات تدريب المقاتلين (السوريين وغير السوريين)، عبر تشكيلات عديدة، أبرزها «ملحمة تكتيكال» التي تولّت منذ تأسيسها عام 2016 مهمة تشكيل وتدريب فرقة «العصائب الحمراء»، والتي تُعتبر القوة الضاربة لـ«هيئة تحرير الشام». وكان قد أسّس المجموعة التي تضم مقاتلين سابقين في الجماعات الجهادية والقوات النظامية السوفياتية، «أبو رفيق البيلاروسي»، الذي قُتل في غارة روسية عام 2018 في إدلب، قبل أن يتولّى «أبو سلمان البيلاروسي» المعروف بعلاقته الوطيدة بالشرع، قيادة المجموعة.

ويبدو أن الشرع كان قد مهّد للخطوة الأميركية، خلال فترة سيطرته على إدلب؛ إذ شنّ سلسلة من الحملات على الفصائل التي كانت مناحرة له، وتمكّن من حل القوى التي رفضت مبايعته. كما ساهم في إخراج أعداد كبيرة من المقاتلين إلى أوكرانيا، وخصوصاً من جماعة «أجناد القوقاز» التي تضم عناصر من الشيشان، وهي خطوة من الممكن تكرارها مع المقاتلين الأويغور الذين يتركّز نشاطهم الأول في قتال الصين.

وأعلن المبعوث الأميركي، أيضاً، أن بلاده تعمل على تخفيض عدد قواعد بلاده من 8 إلى قاعدة واحدة فقط، في إطار مساعي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للانكفاء عسكرياً عن الملف السوري، فيما كان قد أشار في تصريحات عديدة إلى أن واشنطن «بدأت نهجاً جديداً في تعاملها مع الملف السوري بعد فشل السياسات السابقة»، وفق تعبيره.

ولعل التعامل مع ملف «الجهاديين»، يُعتبر أحد أبرز أعمدة السياسة الجديدة؛ إذ تسعى بلاده، عبر توطين المتشدّدين في سوريا، وضمّهم إلى جيش نظامي، لتعزيز التحكّم بهذا الملف، وتخفيض مخاطر انتقال هؤلاء إلى دولة جديدة، أو إلى تنظيمات غير مرغوبة في الوقت الحالي، مثل تنظيم «داعش». ولعلّ النقطة الأخيرة شكّلت محور محادثات أنقرة والإدارة السورية الجديدة مع الإدارة الأميركية، خصوصاً بعد زيادة نشاط التنظيم في سوريا، ودعوته المقاتلين الأجانب إلى الانضمام إلى صفوفه في وجه الشرع، الذي وصفه بأنه «مرتدّ».

ويأتي القبول الأميركي بالوضع الجديد للجماعات المتشدّدة، أيضاً، بعد توسيع قنوات التواصل بين إدارة الشرع وإسرائيل، التي تريد إنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري، الأمر الذي قامت بتحقيقه فعلياً عبر سيطرتها على التلال الحاكمة، بما فيها قمة جبل الشيخ التي تمنحها إشرافاً على مساحات واسعة من سوريا والأردن ولبنان والأراضي المحتلة في فلسطين، ما يضمن عدم تشكيل الجهاديين أي خطر عليها. وبذلك، يبقى الخطر الوحيد المرتبط بهؤلاء، تأثيرهم على المجتمع السوري المتنوّع طائفياً ودينياً، والذي ظهرت بعض ملامحه خلال موجة المجازر التي تعرّض لها العلويون في الساحل السوري والمنطقة الوسطى، والهجمات التي تعرّض لها الدروز جنوبي البلاد، وهي أمور لا يبدو أن واشنطن تعيرها أي اهتمام.


 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد