فادي الحاج حسن / كاتب لبنان
يشّكل الملف النووي الإيراني أحد أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)؛ حيث يتقاطع فيه الصراع الإقليمي مع مصالح دول كبرى، لا سيما الولايات المتحدة و"إسرائيل".
في هذا السياق، لا يمكن فهم الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد البرنامج النووي الإيراني بمعزل عن الأهداف الأمريكية الخفية التي تتجاوز مجرد منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لتشمل السيطرة على الطاقة النووية الاقتصادية الإيرانية وفرض نظام إقليمي يخدم الهيمنة الأمريكية. في المقابل؛ تمتلك إيران قدرة عسكرية وسياسية متنامية تؤهلها لمواجهة هذه الضغوط، وهو حق مشروع في ظل ما غطرسة أمريكية متصاعدة.
الكونسورتيوم النووي الإيراني أداة أمريكية للهيمنة الإقليمية
الكونسورتيوم النووي هو تحالف دولي أو إقليمي يضم عدة دول ومؤسسات تعمل معًا لتطوير الطاقة النووية، سواء في مجالات البحث والتطوير أم بناء محطات الطاقة أو إدارة النفايات. في ما يخصّ إيران، تسعى الولايات المتحدة إلى فرض كونسورتيوم نووي إقليمي يضم إيران ودولًا خليجية، مع إشراف دولي صارم، لتكون بديلُا عن الاتفاق النووي التقليدي. هذا الكونسورتيوم يهدف إلى مراقبة البرنامج النووي الإيراني، حتى دمج إيران في منظومة إقليمية تخضع لرقابة أمريكية وأوروبية، ما يحدّ من استقلالية إيران النووية.
الأهداف الأمريكية الخفية في فرض الكونسورتيوم النووي
- السيطرة على النووي الاقتصادي الإيراني
الطاقة النووية ليست مجرد أداة عسكرية، هي ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية الحديثة. تسعى إيران إلى تطوير النووي الاقتصادي الذي يمكّنها من توليد طاقة كهربائية نظيفة ومستدامة، تقود بها صناعاتها وتحقق بها الاكتفاء الذاتي في الطاقة. والولايات المتحدة تدرك أن نجاح إيران، في هذا المجال، سيعزز من مكانتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، ويقلص من تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. لذلك، فإن فرض الكونسورتيوم يعني وضع قيود على قدرة إيران في تطوير هذا النووي الاقتصادي، ما يحول دون تحقيق استقلالها في مجال الطاقة ويجعلها رهينة للمصالح الأمريكية.
- إضعاف السيادة النووية الإيرانية
فرض الكونسورتيوم يعني تقليص قدرة إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية أو تطوير تقنيات نووية متقدمة. هذا يحد من خيارات إيران النووية، ويحوّل برنامجها إلى مشروع مراقب ومقيد، يخضع لشروط دولية تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها. هذا الأمر لا يقتصر على الجانب التقني فقط، يحمل أيضًا أبعادًا سياسية تهدف إلى تقليص نفوذ إيران الإقليمي.
- تعزيز النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة
إن إشراك دول خليجية في الكونسورتيوم، تسعى فيه الولايات المتحدة إلى بناء تحالف نووي إقليمي يوازن بين إيران ودول الخليج، ويضمن بقاء الهيمنة الأمريكية في المنطقة. هذا التوازن النووي يخدم مصالح واشنطن ويوفر غطاءً سياسيًا لـــ"إسرائيل" التي ترى البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا لها.
- فرض نظام رقابي دولي يخدم المصالح الغربية
الكونسورتيوم لا يقتصر على التعاون التقني، هو يشمل أيضَا آليات رقابة صارمة تتيح للدول الغربية التدخل في أي مرحلة من مراحل البرنامج النووي الإيراني. هذا النظام الرقابي يهدف إلى منع إيران من تجاوز "الخطوط الحمراء" التي تحددها الولايات المتحدة، ويحول دون تطوير قدرات نووية متقدمة قد تغير ميزان القوى في المنطقة.
الحرب الإسرائيلية أداة ضغط في خدمة الأهداف الأمريكية
تستخدم "إسرائيل" حربها ضد البرنامج النووي الإيراني وسيلة ضغط رئيسة لمنع تاجمهورية الإسلامية من تحقيق اكتفاء نووي مستقل. هذه الحرب تتضمن عمليات استخباراتية واغتيالات وهجمات إلكترونية وحملات دبلوماسية تهدف إلى عزل إيران دوليًا. الكيان الصهيوني يرى في البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا، ويعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة على منع إيران من تحقيق أي تقدم نووي قد يغير قواعد اللعبة في المنطقة.
لذلك؛ هذه الحرب ليست رد فعل أمني، بل جزء من استراتيجية أمريكية أوسع تهدف إلى فرض الكونسورتيوم النووي حلًا يضمن بقاء إيران ضمن إطار رقابي يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية. و"إسرائيل" كونها الحليف الأقرب للولايات المتحدة في المنطقة، تؤدي دورًا محوريًا في تنفيذ هذه الاستراتيجية.
القدرة الإيرانية على المواجهة.. حق مشروع في ظل الغطرسة الأمريكية
على الرغم من الضغوط الهائلة، تمتلك إيران قدرة متنامية على المواجهة العسكرية والسياسية، تستند إلى عدة عوامل:
- القوة العسكرية المتطورة
إيران طورت قدرات عسكرية نوعية تشمل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وقوات الحرس الثوري التي تؤدي دورًا مركزيًا في العمليات الإقليمية. هذه القدرات تمنح إيران ردعًا فعالًا ضد أي هجوم محتمل، وتؤهلها للرد بقوة على أي تهديد أمني.
- النفوذ الإقليمي المتزايد
إيران بنت شبكة من التحالفات مع فصائل وأحزاب في العراق ولبنان واليمن، ما يوسع من نفوذها ويعزز قدرتها على التأثير في الصراعات الإقليمية. هذا النفوذ يشكل رادعًا إضافيًا ضد الضغوط الخارجية، ويجعل من الصعب على الولايات المتحدة و"إسرائيل" فرض إرادتهما بالقوة.
- الصمود السياسي والداخلي
البرنامج النووي جزء من مشروع وطني إيراني يعبر عن السيادة والاستقلال. الشعب الإيراني والقيادة السياسية يرون أن تطوير البرنامج النووي حق سيادي لا يمكن التنازل عنه، وهو رمز للمقاومة ضد التدخلات الأجنبية. هذا الصمود يجعل من الصعب فرض شروط مجحفة على إيران من دون دفع ثمن سياسي واجتماعي كبير.
- القدرة على المناورة الدبلوماسية
إيران نجحت في بناء علاقات مع قوى دولية أخرى، مثل روسيا والصين، ما يمنحها دعمًا دوليًا يمكّنها من مواجهة الضغوط الأمريكية. هذا الدعم الدولي يفتح أمامها خيارات بديلة ويقلل من عزلة البرنامج النووي الإيراني.
صراع متعدد الأبعاد ومستمر
الصراع المتمحور في البرنامج النووي الإيراني ليس نزاعًا تقنيًا أو أمنيًا، هو صراع جيوسياسي متعدد الأبعاد يجمع بين الأهداف الاقتصادية والسياسية والعسكرية. الولايات المتحدة تسعى عبر فرض الكونسورتيوم النووي إلى السيطرة على النووي الاقتصادي الإيراني، ومنع إيران من تحقيق استقلالها الطاقي، وتعزيز نفوذها الإقليمي عبر تحالفات نووية تخدم مصالحها.
في المقابل، إيران ترفض التخلي عن سيادتها النووية وترى في تطوير برنامجها النووي حقًا مشروعًا للدفاع عن نفسها ومواجهة الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية. وتمتلك إيران أدوات مواجهة عسكرية وسياسية متقدمة تؤهلها للاستمرار في هذا الصراع، ما يجعل الحلول السلمية والتفاهمات الإقليمية أكثر تعقيدًا.
في ظل هذه المعادلة، تبرز قدرة إيران على المواجهة العسكرية والسياسية في جزء من حقوقها المشروعة في مواجهة الغطرسة الأمريكية، ما يجعل الصراع على الملف النووي الإيراني مستمرًا ومتعدد الأبعاد، ويستلزم قراءة دقيقة للتوازنات الإقليمية والدولية التي تحكم مستقبل المنطقة.