اوراق مختارة

لا إجماع أميركيًا على الحرب: ترامب يخاطر بقاعدته الشعبية

post-img

حسين إبراهيم

عندما تَدخل الإدارة الأميركية حربًا بالنيابة عن "إسرائيل" خارج أيّ مشروعية أو قانون، فإن أقلّ ما يجب أن تتوقّعه هو أن تلقى معارضة قوية داخل الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم. هذه الحرب، إذا استمرت، ستكون أحادية أميركية – "إسرائيلية"، ليس عليها إجماع حتّى في الغرب نفسه، وإن كان الأخير يدعمها بوجه عام حتّى الآن. غير أن الأهم هو أن معارضة الانخراط في القتال قوية حتّى داخل أميركا، وتشمل الحزب الديموقراطي وتيارًا واسعًا داخل الحزب الجمهوري، ممن يطلَق عليهم "المناهضون للتدخلات الخارجية".

كذلك، ثمة إلى جانب المعارضة، تشكيك في دستورية قرار الدخول في الحرب من دون الحصول على موافقة مسبقة من الكونغرس الذي يسيطر الحزب الجمهوري على مجلسيه، وهو ما عبّر عنه السناتور بيرني ساندرز، وقادة الحزب الديموقراطي في الكونغرس، فضلًا عن عدم قانونية الضربة في القانون الدولي، الذي لا يمنح دولة واحدة الحق في الاعتداء على دولة أخرى، حتّى لو انتهكت الأخيرة معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية؛ إذ إن هكذا هجوم يتطلّب موافقة مجلس الأمن، بعد إحالة الملف إليه من جانب "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

رغم ذلك كله، لم يكن ترامب مهتمًا إلا بالمعارضة داخل الحزب الجمهوري، وبالتحديد التيار الذي يَدين له بالولاء داخل الحزب. وحتّى استطلاعات الرأي التي أظهرت معارضة شعبية واضحة للحرب، لم يأخذها ترامب في حسبانه، وجرى التلاعب بها سياسيًا، عبر ربط نتائجها بطريقة توجيه الأسئلة إلى المستطلَعة آراؤهم؛ بمعنى أنه إذا تمّ توجيه سؤال مباشر عن التدخل الأميركي يكون الجواب لا، في حين أنه إذا كان السؤال: هل يجب منع إيران من امتلاك سلاح نووي، يكون الجواب نعم، وهو ما لا يستقيم، لأن الذين يتمّ سؤالهم يعرفون مسبقًا أن التدخل الأميركي هدفه في الحد الأدنى منع إيران من امتلاك سلاح نووي.

هذه الصورة تؤكد أن ترامب يضع عينه على الأثر الذي يمكن أن يكون للحرب على التأييد لإدارته وللحزب الجمهوري، حتّى لا يصل إلى الانتخابات النصفية بعد سنة ونصف سنة، ويكون الحزب قد خسر جزءًا من شعبيته، وصار مهدّدًا بخسارة الغالبية التي يحظى بها في المجلسين أو أحدهما على الأقل.

ويعتقد ترامب أنه يحتاج إلى قوتَين رئيسيتين لمنع خسارة الجمهوريين في الانتخابات، هما: الجناح اليميني في الحزب، أو من يطلق عليهم أنصار شعار "أميركا أولًا"؛ والجناح الصهيوني المؤيد لـ"إسرائيل" بقوة، وتحديدًا لرئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو. هذان الجناحان كانا متصادمين وجهًا لوجه في المدة التي سبقت الضربة الأميركية؛ ومن الواضح أن ترامب مال إلى الصهيوني منهما في قراره النهائي، وإن سعى في الوقت نفسه إلى استيعاب التيار الأول.

ففي رواية قالت إنها من داخل غرفة عملية التوصّل إلى قرار الضربة، كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ترامب استضاف إلى مائدة الغداء في البيت الأبيض، عشية الهجوم، ستيف بانون، أحد المقربين منه والمعارضين بشدة للتدخّل، ووضعت ذلك في إطار الخدعة؛ إذ إن مجرد اللقاء قد يوحي بأن ترامب أكثر ميلًا إلى الجناح المعارض. لكنْ، ثمة احتمال آخر هو أن الرئيس كان يسعى إلى اجتذاب المناهضين للحرب داخل حزبه، وضمان ألا يؤدي التدخّل إلى أنشقاق جمهوري، الأمر الذي تدعمه حقيقة متابعته بعناية مواقف مقدّم البرامج الشهير، تاكر كارلسون، المعارض بشدة للهجوم على إيران، وإبدائه انزعاجه من تلك المواقف.

وبحسب استطلاع للرأي نشرت نتائجه في مجلة "إيكونوميست"، عشية الضربة الأميركية، أعرب 60 في المئة من الأميركيين عن اعتقادهم بأن الجيش الأميركي يجب ألا يتدخّل في هذه الحرب، مقابل 16 في المئة فقط أيدوا التدخّل، و24 في المئة لم يحدّدوا موقفهم. وتوزّع معارضو الحرب بحسب الخطوط الحزبية، على 65 في المئة من الديموقراطيين، و61 في المئة من المستقلين، و53 في المئة من الجمهوريين. وفي كلّ الأحوال، إذا ظلّت الأمور عند الضربة الأميركية الوحيدة، فلا يمكن الحديث عن تورّط أميركي طويل المدى في الحرب، ولكن الهجوم على منشآت طهران النووية وضع واشنطن في موقف صعب؛ إذ إنه لم يُفد كثيرًا في تحقيق الأهداف الأميركية، سوى لناحية تأخير البرنامج النووي الإيراني، بحسب نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، ما يعني أن الأمر سيحتاج إلى تدخّل إضافي.

في هذه الأثناء، يستعدّ كلّ من الطرفين للمراحل المقبلة من الصراع، حيث سيعتمد الأمر إلى حد كبير على قدرة كلّ منهما على الاحتمال. وحتّى هذه اللحظة، يبدو أن طهران نجحت في تقديم ما يجري أمام شعبها والعالم أجمع، بوصفه عدوانًا على إيران كبلد، ولا خيار لديها بوجهه سوى الصمود والدفاع عن نفسها، وهي أظهرت قدرة على ذلك، في حين أن الطرف الآخر، الأميركي تحديدًا، سيحتاج إلى إثبات أن ما يفعله ليس مغامرة لا ضرورة لها، وإلا فهو يخاطر بتورّط قد يفوق التورّط في الحروب السابقة، من فيتنام حتّى اليوم.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد