يحيى دبوق (الأخبار)
مع بدء مرور الوقت على إعلان وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وإيران، تتّضح الصورة أكثر فأكثر، وأبرز ما فيها أن الحرب لم تكن "نقطة تحوّل إستراتيجية"، بل مجرّد مواجهة عسكرية مؤقتة انتهت من دون اتفاق واضح وبنتائج غير مضمونة. وعلى الرغم من السردية "الانتصارية" الإسرائيلية الرسمية، بقيت أسئلة ما قبل الحرب قائمة تقريبًا لدى الإعلام والنخب والمراكز البحثية، والأهم في وعي الجمهور "الإسرائيلي" القَلِق من الآتي: هل نجحت "إسرائيل" في إحباط المشروع النووي الإيراني؟ وهل تمّ القضاء على التهديد الصاروخي؟
وهل انتهى نفوذ إيران الإقليمي وتمدّدها؟ وماذا عن فرصة إسقاط النظام، التي لاحَت لـ"إسرائيل" خلال الحرب وقبلها وجرى الرهان عليها، مع العلم أن النظام الإيراني، وفقًا للتقديرات، يخرج من هذه الحرب أكثر منعة واقتدارًا؟ وعليه، فهل الحديث يدور فعلًا عن نجاح تكتيكي مؤقّت، من دون أثر إستراتيجي حقيقي؟
المؤشّرات المتاحة إلى الآن، تفيد بأن النتيجة الفعلية أقرب إلى "تعادل مرير" من جهة "إسرائيل"، في ما صمود إيران، وحده، كونه جاء ضمن تموضع دفاعي يهدف إلى إفشال الحرب وأهدافها، يُعدّ تأكيدًا لروايتها "الانتصارية".
ومن دون حاجة إلى إعلانات رسمية أو استطلاعات رأي، يُتوقّع ظهورها قريبًا في تل أبيب، يعيش الجمهور "الإسرائيلي" حالة قلق عميقة، بعدما كشفت الحرب زيف رواية القدرة الدفاعية والهجومية، التي بولغ في الترويج لها طوال السنوات الماضية، إذ ظهر أن الواقع الدفاعي والهجومي كان مَعيبًا بثغرات خطيرة، ستُشكّل محلّ "دروس وعبر" طويلة، في حين أن الردّ الإيراني الأخير – قبل دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ – حمل رسالة واضحة: إيران لم تسقط، ولا تشعر بأنها خسرت؛ علمًا أن الهدف الأهم الذي كانت تأمل "إسرائيل" تحقيقه، هو هزم إيران في وعيها الذاتي، قبل هزمها ماديًا.
التقارير الإسرائيلية والأميركية تشير إلى أن نتائج الهجمات لا تزال "موضع شكّ"
وبالمجمل، لم تستطع "إسرائيل" تحقيق أهدافها كما رسمتها، على الرغم من الضربات الدقيقة والعنيفة على مواقع إيرانية متعددة. فالبرنامج النووي الإيراني لم يُدمَّر بالكامل، وفق ما أفادت به تقارير استخباراتية أميركية وإسرائيلية نُشرت بالأمس، وأكّدت أن نتائج الهجمات لا تزال "موضع شكّ". وبحسب هذه التقارير، فإن اليورانيوم المخصّب لم يُمسّ، وأجهزة الطرد المركزي ظلّت سليمة جزئيًا، بعدما نُقل كثير منها قبل الهجوم إلى أماكن آمنة. أما المنشأة الرئيسية للمشروع النووي، فبقيت بدورها سليمة جزئيًا، أو على الأقل موضع تضارب بين نفي وتأكيدٍ، أميركيًا وإسرائيليًا، في إشارة إلى حالة من اللايقين تسود لدى الجانبين.
وفي المقابل، ما فتئ التهديد الصاروخي الإيراني على حاله نسبيًا، في ما من المتوقّع أن يُعاد ترميم أسسه بسرعة، مع تعزيز الترسانة عبر تسريع وتيرة التصنيع؛ علمًا أن إيران تعير هذه الترسانة اهتمامًا خاصًا، بعدما أثبتت فعاليتها، ما يعني أنها مرشّحة لتطوّر نوعي يجعل منها تحديًا حقيقيًا لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة في الاستحقاقات المقبلة.
وعلى هذا الأساس، كتب أحد أبرز المحللين العسكريين والأمنيين في "إسرائيل"، رونين برغمان، في صحيفة ""يديعوت أحرونوت""، أن "ما حقّقته "إسرائيل" كان إنجازًا عسكريًا كبيرًا، لكنّه غير كافٍ لتحقيق نصر إستراتيجي". وأشار إلى أن الضربات الجوية كانت "دقيقة للغاية"، واستهدفت مواقع حسّاسة في عمق إيران، من بينها منشأة فوردو النووية ومحطات لإنتاج الصواريخ الباليستية. ومع ذلك، تبقى الأسئلة الحاسمة حول مدى الإضرار الحقيقي بالبرنامج النووي "من دون إجابات واضحة". ويلفت برغمان إلى أن "الغموض يحيط بالتقارير حول نتائج العملية العسكرية"؛ وبالرغم من تباهي الحكومة الإسرائيلية بإبعاد التهديد النووي لسنوات، فـإن "المعلومات المتداولة في مجتمع الاستخبارات "الإسرائيلي" والأميركي أقلّ تفاؤلًا".
على أي حال، وبعد يومين فقط على وقف إطلاق النار، يبدو الواقع على النحو الآتي: المنشآت النووية تضرّرت، لكنّها لم تُدمَّر؛ البرنامج لم يُنهَ، إنما تأجّل لفترة قصيرة؛ والتباين واضح بين الرواية السياسية في "إسرائيل" وأميركا، وما تكشفه دوائر الاستخبارات في البلدين. أما الحقيقة، فستظهر مع مرور الوقت، وليس من خلال البيانات الأولية، وهذا ما يُعزّز استنتاجًا أساسيًا: "إسرائيل" وأميركا فشلتا في تحقيق نصر حاسم في حربهما على إيران.