حسين كوراني
منذ أن بدأت "إسرائيل" عدوانها البربري على قطاع غزّة بُعيدَ أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والعديد من دول العالم، ممن تدعي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تدعم جيش الاحتلال في حربه بشتى أنواع الأسلحة الفتّاكة والأدوات التكنلوجية الحديثة. وعقدت من أجل ذلك صفقات بيع أسلحة قدّرت بمليارات الدولارات، والحصيلة عشرات آلاف الضحايا من الأطفال والنساء من أهل غزّة.
في هذا السياق، كشف تقرير أممي صدر حديثًا عن دور شركات وبنوك وجامعات في دعم آلة الإبادة الإسرائيلية، من تصنيع السلاح حتّى تمويل الحرب وتشريع الجرائم ضدّ الفلسطينيين. وهذا ما دعا المقرّرة الخاصّة التابعة للأمم المتحدة، المحامية الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز، في تقرير صدر عنها، قبل أيام، إلى محاسبة الشركات التجارية الداعمة للكيان الصهيوني.
وممّا لفت في تقرير ألبانيز، الواقع في 39 صفحة، أنه حدّد، طبقًا لمنهجية علمية دقيقة، واستنادًا إلى القانون الجنائي الدولي، المؤسّسات التجارية المتواطئة مع العدوّ "الإسرائيلي" في قطاعات مختلفة: شركات تصنيع الأسلحة، شركات التكنولوجيا، شركات البناء والتشييد، الصناعات، البنوك، صناديق التقاعد، شركات التأمين، الجامعات والجمعيات الخيرية؛ والتي تدعم انتهاكاته في الأرض الفلسطينية المحتلّة، خصوصًا في قطاع غزّة، بدءًا من التمييز والتدمير العشوائي والتهجير والنهب، وصولًا إلى القتل والتجويع والتعذيب.
وحدّد التقرير ثمانية قطاعات رئيسية تعمل بشكل منفصل ومترابط من خلال الاقتصاد الاستعماري الاستيطاني القائم على التهجير، شارحًا كيفية تكيّفها مع الممارسات الرئيسية للإبادة الجماعية: القتل والتدمير والتهجير والإبادة، الاحتلال والاستيطان واستبدال السكان، وتسهيل وتمويل وتبرير الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية بحق الفلسطينيين.
ومن هذا المنطلق، تشكّل الإبادة الجماعية المستمرّة مشروعًا مربحًا لشركات التصنيع العسكري، حيث ارتفع الانفاق العسكري الإسرائيلي، بين عامَي 2023 و2024، بنسبة 65% (بلغ 46.5 مليار دولار).
وهكذا، أصبح المجمع الصناعي العسكري، العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي؛ علمًا أن "تل أبيب" كانت، بين عامَي 2020 و2024، ثامن أكبر مصدّر للأسلحة حول العالم، في ما تُعدّ شركتا الأسلحة الإسرائيليتان الأبرز، "إلبيت سيستمز" و"إسرائيل إيروسبايشال"، من بين أكبر 50 شركة مصنّعة للأسلحة حول العالم.
وفي خلال هذا الوضع، عزّزت شراكات دولية لصناعة الأسلحة، قدرة "إسرائيل" على ترسيخ نظام الفصل العنصري، وعلى مواصلة جرائمها في غزّة والضفّة الغربية، خصوصًا أنها تستفيد من أكبر برامج المشتريات العسكرية على الإطلاق، هو برنامج طائرة "إف - 35" المقاتلة، الذي تقوده شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية، إلى جانب ما لا يقلّ عن 1650 شركة أخرى، بما في ذلك الشركة الإيطالية "ليوناردو إس. بي. إي".
ومنذ تشرين الأول 2023، استخدمت "إسرائيل" طائرات "إف - 35" و"إف - 16"، بشكل غير مسبوق لقصف غزّة، ملقيةً ما يُقدَّر بنحو 85 ألف طنّ من القنابل على القطاع، غالبيتها غير موجّهة، لقتل وإصابة أكثر من 179411 فلسطينيًّا.
من جهتهم أيضًا، وفّر المورّدون، من مثل شركة "فانوك" اليابانية، الآلات الروبوتية لإنتاج الأسلحة، بما في ذلك لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، وشركتي "إلبيت" و"لوكهيد مارتن". وتنقل شركات الشحن، من مثل "مايرسك" الدنماركية، المكوّنات والأجزاء والأسلحة والمواد الخام، ما يحافظ على تدفّق متواصل للمعدات العسكرية التي توفّرها الولايات المتحدة للكيان.
وبالنسبة لتكنولوجيا المراقبة والذكاء الاصطناعي، تنمو شركات التكنولوجيا الإسرائيلية، انطلاقًا من البنية التحتية والإستراتيجية العسكرية، كما هو حال مجموعة "إن إس أو"، التي أسّسها عملاء سابقون في "الوحدة 8200"، وقد استُخدم برنامجها للتجسُّس، "بيغاسوس"، المصمّم لمراقبة الهواتف الذكية سرًّا، ضدّ النشطاء الفلسطينيين، وتمّ ترخيصه عالميًّا لاستهداف القادة والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
كذلك، تعمل شركة "آي بي إم" الأميركية في "إسرائيل"، منذ عام 1972، حيث تُدرّب أفراد الجيش والاستخبارات، وخاصة من "الوحدة 8200". ومنذ عام 2019، قامت هذه الشركة بتشغيل قاعدة البيانات المركزية لـ"هيئة السكان والهجرة" وتحديثها، ما مكّن من جمع البيانات البيومترية عن الفلسطينيين وتخزينها واستخدامها. وقبل "آي بي إم"، كانت شركة "هيوليت باكارد" الأميركية تحتفظ بقاعدة البيانات، في ما لا تزال شركتها الفرعية تُقدّم خدماتها للإسرائيليين.
أمّا شركة "مايكروسوفت" الأميركية، فتدعم الكيان الغاصب منذ عام 1991، حيث طوّرت أكبر مركز لها خارج الولايات المتحدة، ودمجت فيه تقنياتها في مصلحة السجون والشرطة والجامعات والمدارس والمستعمرات. كما تقوم بدمج أنظمتها وتقنياتها المدنية في الجيش "الإسرائيلي" منذ عام 2003.
وفي عام 2021، منحت "إسرائيل" شركتَي "ألفابت" (غوغل)، و"أمازون" الأميركيتين عقدًا بقيمة 1.2 مليار دولار (مشروع "نيمبوس" المُموَّل من وزارة الحرب الإسرائيلية).
وفي ما خص آليات التدمير والجرف ودفن الأحياء زوّدت شركة "كاتربيلر" الأميركية على مدى عقود، "إسرائيل" بمعدات تُستخدم في هدم المنازل والبنية التحتية الفلسطينية، من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي للولايات المتحدة، وبالشراكة مع شركات "إسرائيلية" وشركة "رادا" للصناعات الإلكترونية المملوكة من شركة "ليوناردو دي آر إس" الأميركية.
أيضًا، ارتبطت شركة "هيونداي" الكورية، وشركتها الفرعية "دوسان"، إلى جانب مجموعة "فولفو" السويدية وغيرها من شركات تصنيع المعدات الثقيلة الكبرى، بتدمير الممتلكات الفلسطينية.
أما بالنسبة إلى الاحتلال والاستيطان واستبدال السكان تم تخصيص 200 مليون دولار لبناء المستعمرات، بين تشرين الثاني 2023 وتشرين الأول 2024، وأنشأت "إسرائيل" 57 مستعمرة وبؤرة استيطانية جديدة، مستخدمةً حفارات ومعدّات ثقيلة من طرازات "كاتربيلر" و"هيونداي" و"فولفو".
كما تتعاون جامعات عالمية رائدة، بما فيها "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، مع مؤسسات "إسرائيلية" في مجالات مختلفة، تشمل: التحكّم في أسراب الطائرات من دون طيار، وهي سمة مميزة للهجوم "الإسرائيلي" على غزّة منذ تشرين الأول 2023، وخوارزميات المطاردة والمراقبة تحت الماء.
كما يُسهّل برنامج "أفق أوروبا" التابع للمفوّضية الأوروبية، التعاون بنشاط مع المؤسسات الإسرائيلية، بما فيها تلك المتواطئة في الفصل العنصري والإبادة الجماعية. ومنذ عام 2014، منحت المفوضية أكثر من 2.12 مليار يورو (2.4 مليار دولار) للكيان الإسرائيلي، بما في ذلك وزارة الأمن.
وحصلت الجامعة التقنية في ميونيخ (ألمانيا)، بدورها، على 198.5 مليون يورو من تمويل برنامج "هورايزون" التابع للمفوّضية الأوروبية، تشمل 11.47 مليون يورو لـ22 اتفاقية تعاون مع شركاء إسرائيليين وشركات عسكرية وتقنية.