حسين كوراني
مع بدء الحديث في الآونة الأخيرة عن استئناف المفاوضات غير المباشرة بين "حماس" و"إسرائيل" في الدوحة للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزّة لمدة ستين يومًا، يليه إنهاء الحرب وتبادل أسرى بين الطرفين، كثّفت المقاومة الفلسطينية من عملياتها النّوعية متبعة تكتيكات جديدة تعتمد على الكمائن المركّبة عبر تفخيخ الأمكنة بالعبوات الناسفة وتفجيرها عن بُعد بقوات الاحتلال المُتوغلة، ومن ثمّ الانقضاض عليها بالقذائف الصاروخية، موقعة فيها أكبر عدد من القتلى والجرحى.
في هذا الشأن، وصفت مصادر عسكرية "إسرائيلية" الأسابيع الماضية منذ مطلع حزيران/يونيو الماضي، بأنها الأصعب منذ بدء العدوان على قطاع غزّة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، إذ أخذ جيش الاحتلال يتلقّى ضربات موجعة، أدرك من خلالها أن المقاومة ما زالت قوية وقادرة على الصمود والمواجهة لفترة طويلة.
وفي هذا السياق، وحسب إحصائية عكا للشؤون الإسرائيلية، ففي الأسبوع الأول من شهر حزيران/يونيو الماضي، قتل 10 جنود إسرائيليين في معارك قطاع غزّة، ثلاثة منهم سقطوا في جباليا، وجندي في حادث سير بعد عودته من القتال من غزّة، فيما آخر قتل في معارك حيّ الشجاعية، كما قتل جنديًا متأثرًا بجراحه التي أصيب بها قبل 8 أشهر في غزّة، بالإضافة إلى مقتل 4 جنود في معارك خان يونس جنوب القطاع. وحتّى 25 حزيران/يونيو، كان قد قتل أكثر من 20 جنديًا صهيونيًا، 12 منهم سقطوا في الأسبوع الثالث من الشهر في معارك خان يونس.
ومع توقف الحرب بين كيان العدوّ وإيران في 23 حزيران/يونيو، شهد الميدان زخمًا كبيرًا لعمليات المقاومة؛ إذ تمكّنت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، وعلى رأسها "كتائب القسام" و"سرايا القدس"، من تنفيذ عشرات الكمائن والمهمات القتالية المؤثّرة، والتي تسبّبت بإيقاع خسائر بشرية كبيرة في صفوف جنود الاحتلال.
وكانت أعنف تلك الكمائن، حسب وسائل إعلام العدو، التي وقعت في 25 حزيران/يونيو، بعد تعرض ناقلة جند مصفحة تابعة لسلاح الهندسة لكمين داخل محاضن الآليات قرب صالة المهند وشارع البداو في منطقة السطر الغربي شمال خان يونس عبر وضع عبوة ناسفة من نوع "شواظ" داخل قمرة القيادة، ما أدّى إلى احتراقها ومقتل جميع أفراد طاقمها، قبل أن يستهدف المقاومون ناقلة جنود أخرى بعبوة قرب مسجد الإمام علي بن أبي طالب (ع) في منطقة معن جنوب مدينة خان يونس، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها أيضًا، بالإضافة إلى وقوع قوة الإنقاذ في كمين آخر، وأدت العملية لمقتل 7 ضباط وجنود صهاينة وإصابة 17 منهم.
وقالت مراسلة "القناة 12" العبرية خلال لقائها وزير الحرب "الإسرائيلي" يسرائيل كاتس، إن "الجيش تكبّد 20 قتيلًا في معارك القطاع خلال الأسبوع الأخير من الشهر الفائت، رغم أنه أعلن رسميًا عن مقتل 9 فقط في هذه المدة.
ومع مطلع شهر تموز/يوليو الحالي أصبحت عمليات المقاومة أكثر وقعًا على العدو، إذ أعلن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" مقتل جندي من الكتيبة 82 وإصابة آخرين خلال معارك دارت شمال قطاع غزّة، وذلك في أعقاب سلسلة من الحوادث الأمنية المتتالية التي شهدها حيّ الشجاعية شرق مدينة غزّة، ووفق التحقيق الإسرائيلي، أطلقت خلية مسلّحة، في بداية الاشتباك، صاروخًا من نوع RPG على مبنى كانت تتحصّن فيه وحدة "إيغوز" الخاصة، وبعد أقل من 20 دقيقة، استُهدفت دبابة "إسرائيلية" بصاروخ مضاد للدروع بينما كانت تراقب مصدر الهجوم الأول، ما أسفر عن مقتل أحد عناصر طاقم الدبابة، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح متفاوتة، اثنان منهم بحالة خطيرة.
في السياق، كشف قائد ميداني في "سرايا القدس" عن تنفيذ "عملية مركّبة نوعية (2 تموز) استهدفت عشرات الجنود ورتلًا لآليات العدوّ الصهيوني في مربع الهدى شرق حيّ الشجاعية. وأوضح أن "العملية بدأت بتفجير حقل ألغام بالآليات الصهيونية المتوغلة، ما اضطرّ الجنود والضباط إلى دخول المنازل المجاورة بشكل هستيري، واستهدفت المنازل بصاروخ موجه تلاه قذيفة "TBG" المضادة للتحصينات". وبيّن القائد أن "السرايا" باغتت القوات المستهدفة واشتبكت معها من مسافة قريبة جدًا، موقعة طاقم الآليات والضباط والجنود بين قتيل وجريح.
كذلك، أعلنت "كتائب القسام" تنفيذ كمين مركّب استهدف فيه المقاومون قوة صهيونية تحصّنت داخل منزل بقذيفة من نوع "الياسين 105"، وأخرى من نوع "آر بي جي" في منطقة الترخيص جنوب مدينة خان يونس، ما تسّبب بوقوع أفراد القوّة بين قتيل وجريح. وتحدّثت أيضًا عن استهداف دبابة "ميركافا" بعبوة "شواظ" وقذيفة "الياسين 105" في المنطقة نفسها. كما ذكرت أن مقاوميها فجّروا جرافة عسكرية من نوع "دي ناين" بعبوة "شواظ" معدّة مسبقًا، مضيفة أن النيران اشتعلت في الجرافة لمدة ساعة، وحينما تقدّمت جرافة أخرى للإنقاذ تمّ استهدافها بقذيفة "الياسين 105" في منطقة التوحيد جنوب خان يونس.
وفي خان يونس أيضًا، أعلنت "سرايا القدس" عن تمكّن مقاوميها من تنفيذ استحكام مدفعي بوابل من قذائف الهاون، استهدف تجمعات الجنود داخل محاضن الآليات في محيط صالة المهنّد وشارع البداو، ما استدعى تغطية جوية ومدفعية لنقل الجرحى والقتلى من جيش العدو. وأكدت "السرايا" أن مقاوميها استطاعوا تدمير آلية عسكرية متوغّلة في منطقة الترخيص القديم جنوب المدينة، بتفجير عبوة برميلية شديدة الانفجار.
كذلك، أبلغ الإعلام الحربي التابع لـ"السرايا" عن تفجير مقاوميه آلية عسكرية من نوع "ميركافا" في منطقة عبسان الكبيرة شرق خان يونس. وكانت أعلنت، قبل يومين، استهداف مقاوميها منازل في خان يونس يتحصّن فيها جنود الاحتلال، بصواريخ موجّهة من نوع "فاغوت" و"مليوتكا". ووزّعت أيضًا مشاهد لقنص جندي على تلة المنطار شرق مدينة غزّة.
لكن العملية الأعنف وقعت اليوم الثلاثاء (8 تموز) في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزّة، إذ أعلن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عن مقتل خمسة من جنوده، معظمهم من كتيبة "نتساح يهودا"، وإصابة 14 آخرين، بينهم اثنان في حال الخطر، جراء انفجار عبوات ناسفة وكمين بإطلاق نار استهدفهم. وأفادت وسائل إعلام "إسرائيلية" بأن الهجوم وقع في "ساحة مليئة بالعبوات الناسفة وكمين بصواريخ آر بي جي"، ما استدعى تدخل سلاح الجو في المكان. ووفق المصادر العبرية، أدى تفجير حقل من الألغام إلى تدمير عدة آليات واشتعال النيران فيها، ما أسفر عن احتراق عدد من الجنود، بالتوازي مع إطلاق صواريخ مضادة للدروع استهدفت القوات والآليات.
وتزامنت العملية مع وجود رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في واشنطن. ووصف إعلام العدوّ العملية في بيت حانون بأنها الأخطر منذ السابع من أكتوبر 2023، ما أدى بوزير حرب الكيان الصهيوني كاتس إلى توبيخ رئيس أركان جيشه إيال زامير، والأخير هدّد كاتس بالاستقالة بسبب حدث بيت حانون.
بالمحصلة، هذه الأحداث الميدانية المتلاحقة والمكلفة بشريًا، وقعت جميعها في مناطق عمل فيها جيش الاحتلال طويلًا، وزعم عدة مرّات أنه استطاع تدمير كتائب المقاومة فيها، وهو ما يؤكد قدرة الأخيرة المستمرة على إعادة بناء خلاياها، وتوظيف ما يتوفّر من إمكانات في تنفيذ عمليات مكلفة بشريًا، بتكتيك قتالي يعتمد كليًا على فهم سلوك العدوّ وتوقّع خطواته، إلى جانب ما يمتلكه المقاومون من بسالة واستعداد للتضحية.