تقاطر إلى "إسرائيل"، في الأسبوع الحالي، إعلاميون وناشطون ومشايخ عرب لعقد لقاءات مع مسؤولين وناشطين "إسرائيليين"، في سعي منهم إلى ترويج التطبيع مع دولة الاحتلال، والذي تعمل عليه جهات عدة، إسرائيلية وعربية وأجنبية، وذلك فيما يتوالى سقوط الشهداء والجوعى يوميًا في حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية في غزة، ولا تتوقف التوغلات والاعتداءات على أراضٍ لبنانية وسورية.
الإعلامي السعودي عبد العزيز الخميس والناشط السوري شادي مارتيني كانا، يوم امس الأربعاء، في الكنيست الإسرائيلي، وشاركا في جلسة نظمها "اللوبي لدعم تسوية أمنية إقليمية"، والذي يهدف إلى إقامة "لوبي" ينشط من أجل تعزيز "حل إقليمي" بين الدول العربية وكيان الاحتلال. وأكّد الخميس، والذي يقيم بين أبوظبي ولندن، لـ"العربي الجديد" وجوده في الكنيست، لكنه تجاهل الأسئلة عن زيارته وبواعثها. وقال المصدر، والذي شارك في الجلسة، إن من دعاهما إلى هذا النشاط الذي يجمع ما هو رسمي برلماني وأهلي في دولة الاحتلال "الائتلاف" المذكور.
تتزامن زيارة مارتيني والخميس مع زيارة أئمة ومشايخ عرب من أوروبا، التقوا رئيس كيان الاحتلال إسحق هرتسوغ. ويعمل "اللوبي من أجل تسوية إقليمية"، بحسب تسمية أخرى ذائعة للائتلاف، على إشاعة أفكار إسرائيلية تقوم على ألا مشكلات بين الاحتلال وعدة دول عربية، وتتغافل عن احتلال أراضٍ فلسطينية وسورية ولبنانية، ولا تكترث بحرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 21 شهرًا، ولا يلتفت أركان الائتلاف و"اللوبي" المذكورين إلى التاريخ الطويل من الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية في المنطقة، ويرون أن فرص التسوية الإقليمية تعزّزت بعد العدوان الإسرائيلي على إيران أخيرًا.
وزعم المصدر أن: "الجميع يدركون أن هناك فرصة الآن، سواء مع سورية والدول العربية المعتدلة مثل السعودية. وهناك فهم بوجود محور معتدل ومحور آخر متطرّف تقوده إيران".
كما أفاد بأن شادي مارتيني "ليست له صفة رسمية في سورية، فالزيارة أصلًا ليست لشخصيات رسمية، فهو مواطن سوري وكان مديرًا لمستشفى في حلب في السابق، وقد التقى الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق قبل أسبوعين". وقال المصدر لـ"العربي الجديد" إن مارتيني نقل عن الشرع قوله إنها فرصة في "الشرق الأوسط" تأتي مرة كل مائة عام". وبحسب المصدر، مارتيني وصل إلى "إسرائيل" مباشرة من سورية. وأفاد بأنه "لم يشارك في الجلسة أشخاص من دول عربية أخرى، بل أشخاص من منظمات من داخل "إسرائيل"، تعمل من أجل حل سياسي. كما أن أعضاء الكنيست الذين شاركوا في الجلسة هم من المعارضة، وليس بينهم أي عضو من الائتلاف الحكومي". ولا علاقة بين زيارة وفد أئمة من أوروبا إلى كيان الاحتلال وزيارة الخميس ومارتيني، فالوفد يقوم بجولة في كيان الاحتلال، والتقى أول من أمس الاثنين، الرئيس إسحاق هرتسوغ وزار مركز "ياد فاشيم" لتخليد ذكرى الهولوكوست.
نشر النائب الإسرائيلي جلعاد كريب صورة من الجلسة في الكنيست عبر حسابه على منصة إكس، وكتب: "حول طاولة واحدة - محلل سعودي (عبد العزيز الخميس)، زعيم سياسي سوري (شادي مارتيني)، أعضاء كنيست من مختلف الكتل، ممثلو الائتلاف للأمن الإقليمي وحركة دارخينو (طريقنا)، ومنظمات مجتمع مدني. ما لا تفعله الحكومة، سنقوم به نحن. لا يجوز لنا أن نفوّت الفرصة السياسية التي تلوح بعد الحرب في منطقتنا جميعًا، وأيضًا بين النهر والبحر".
كما أفاد موقع "والاه" بأن الخميس قال، في جلسة إطلاق اللوبي التي تناولت فرص التعاون الإقليمي في أعقاب العدوان على إيران، وفي أثناء حرب الإبادة على غزّة: "دعونا نكون واضحين. من الرياض إلى أبو ظبي، الرسالة ليست حول من انتصر في الحرب، بل ما الذي سيأتي بعدها. هناك تعب في الخليج من الحروب وحالات الطوارئ. هناك جوع للاستقرار والشراكة. نحن نتساءل: هل تستطيع إسرائيل أن تنتقل من القوة إلى عصر الشراكة، وأن تترجم ردعها العسكري، الذي هو قائم بلا شك، إلى نجاح سياسي؟".
كما ذكر الخميس، وفقًا للموقع العبري، أن القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب في غزّة قضيتان جوهريتان بالنسبة إلى السعودية، و"لا يمكن القبول بوضع يُسجن فيه الناس في غزّة. رؤية السعودية ليست محلية، بل إقليمية. يجب إقامة دولة فلسطينية لا مركزية، مع التزام إسرائيلي واضح ليس فقط بالأمن، بل أيضًا بالتعايش. هذه ليست مطالب كبيرة، بل الحد الأدنى من المطالب الإنسانية. إذا استغلت "إسرائيل" هذه اللحظة لتعميق الاحتلال وإذلال غزّة، فإنها لن تخسر السعودية فقط، بل العالم العربي بأسره". وقال عضو الكنيست جلعاد كريب: "رئيس الحكومة (بنيامين) نتنياهو يفاخر كثيرًا بتغيير وجه "الشرق الأوسط" خلال العام الماضي. لكن السؤال الكبير: ماذا نفعل بهذا التغيير؟ ما يجب أن يبدأ بصفقة شاملة لإنهاء الحرب وإعادة جميع المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين في غزّة)، يمكن، بل يجب أن يستمر باتفاقيات شجاعة تغيّر وجه المنطقة، وتؤسس لتحالف بين المعتدلين في مواجهة محور إيران وأذرعها، وتُدخل الأمل إلى كلا الشعبين في هذه البلاد، وإلى كل شعوب أبناء إبراهيم".
وقال عضو الكنيست ألون شوستر: "بفضل بطولة جنودنا، نحن في موقع يتيح لنا تحويل الإنجازات إلى تغيير سياسي. هناك فرص تاريخية هنا، وكل تسوية سياسية يجب أن تستند إلى الأمن، إلى توافقات واسعة، وإلى قيادة لا تخشى اختيار مستقبل أفضل، حتى عندما يتطلب ذلك شجاعة". وقد تأسس "اللوبي لدعم تسوية أمنية إقليمية"، بمبادرة مشتركة من أعضاء الكنيست: جلعاد كريب (الديمقراطيون)، رام بن براك (يش عتيد - هناك مستقبل)، وألون شوستر (همحانيه همملختي - المعسكر الرسمي). وزعم بن براك، في افتتاح المؤتمر، أن "أحد الأسباب المركزية لما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) كان اقتراب التطبيع بين إسرائيل والسعودية. الآن هو الوقت لتحويل الإنجازات العسكرية للجيش الإسرائيلي إلى إنجازات سياسية على شكل اتفاقياتٍ تعيد تشكيل الشرق الأوسط، وإدخال دول إضافية إلى اتفاقيات أبراهام (اتفاقيات التطبيع). هذا هو الوقت لقيادة شجاعة".
يذكر أن شادي مارتيني مقرب من رجل الأعمال السوري مالك قناة "أورينت"، غسان عبود، وسبق له أن شارك في لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين في مدريد في العام 2016. وكان قد نشر عبر حسابه في "فيسبوك"، صورة له، نقلتها صحيفة جيروزاليم بوست، في 2 أغسطس/ آب 2017، يظهر فيها وخلفه جنود من جيش الاحتلال. وقد ارتبط اسمه ببرنامج "حسن الجوار" الإسرائيلي في الجنوب السوري، ولم ينفِ، في تحقيق نشره "العربي الجديد" في العام 2018، أن المشروع يديره الجيش السوري، وأقر بأن المساعدات التي ساهم في إدخالها الجنوب السوري كانت عبر البرنامج المذكور، وهو يعرّف نفسه أخيرًا بأنه الرئيس التنفيذي لمنظمة تحالف الأديان التي تأسست في العام 2013.
أمّا عبد العزيز الخميس (1961)، فهو رئيس تحرير سابق لمجلة المجلة السعودية التي تصدر في لندن، وعمل وكتب في صحيفة الشرق الأوسط، وهو يرأس تحرير صحيفة العرب اللندنية، وكان أول من أسّس وأشرف على المركز السعودي لدراسات حقوق الإنسان في لندن في التسعينيات.