أوراق ثقافية

الذكاء الصناعي... تجارب أدبية وسرديات معرفية

post-img

للدكتورة نادية هناوي صدر كتاب «الذكاء الاصطناعي: التأهيل والتهويل» عن دار «أبجد للنشر». يشتمل الكتاب البالغة صفحاته 325 من القطع المتوسط على عشرة فصول، توزعت بين قسمين: جاء الأول تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي: تجارب أدبية»، وجاء الثاني تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي: سرديات معرفية».

ترى المؤلفة أنه يتوجب على مستخدم الذكاء الصناعي أن يضع في حسبانه أمرين: أولًا أن هذا الذكاء لا يقدر على تدريب نفسه بصورة ذاتية، وهو يستعمل البيانات الضخمة، وثانيًا أن احتمالية وقوع هذا الذكاء في الأخطاء واردة من ناحية ما تسميه «الهلوسة المعلوماتية»، وكذلك اضطرابه في تنفيذ بعض المطالب المعقدة وغير المتوقعة.

تشير إلى أن الاختبارات التي أُجريت، في هذا المجال، تؤكد أن عيب الكتابة الأدبية بنماذج الذكاء الصناعي يتمثل بعجز هذه النماذج عن فهم بعض التعقيدات اللغوية والسياقية، فضلًا عن عدم قدرتها على التواصل اللغوي المعقد، ما يولد ردودًا غير دقيقة أو مضللة، بسبب عدم فهمها للنصوص التي تنتجها، ولعدم شعورها بها بالمعنى البشري للشعور.

تقوم أطروحة الكتاب على تفنيد الأفكار المتداولة والشائعة عن قدرات الذكاء الصناعي، التي تضخِّم وتعظِّم ما يتوقع منها القيام به مستقبلًا. والملاحظ على كثير من مستخدمي الذكاء الصناعي أنهم يتابعون مستحدثات هذه التكنولوجيا ويداومون على استعمال نماذجها وبرامجها على اختلاف أشكالها، لكنهم لا يسعون بالمثل إلى التزود بثقافة إلكترونية تعرِّف بأهمية الذكاء الصناعي بوصفه وسيلة تقنية، وليس هدفًا بحد ذاته.

تطرح المؤلفة عددًا من الأسئلة: هل يمكن للآلة الذكية أن تعمل بشكل حر (متخيَّل) وتأتي بنتائج مقنعة؟ إلى أي مدى يمكن للذكاء الصناعي أن يكون مفيدًا في حقل الأدب؟ ما نقاط قوته وضعفه؟ كيف يمكن لنا تمييز المحتوى الرقمي البشري عن نظيره الصناعي؟ هل يمكن باستعمال تقنيات الذكاء الصناعي إنتاج قصة أو رواية ناجحة وبشكل تام من الناحية الإبداعية ومن دون أي تدخل للذكاء البشري فيها؟ هل يمكن للذكاء الصناعي إنتاج الجنسانية أو محاكاتها؟ ما الهويات التي ينتجها الذكاء الصناعي؟ كيف يمكن لقدرات الذكاء الصناعي أن تكون منتجة وفاعلة في المستقبل؟ ما الفرضيات التي بها يمكن النظر بمسؤولية إلى دينامية هذا الذكاء؟

تعتمد د. نادية هناوي في إجاباتها عن هذه الأسئلة على تجارب وإحصاءات، تصب في صالح أطروحة كتابها. بالاستناد إلى تجارب علماء النفس والشبكات العصبية، ترى أن «مظاهر السلوك البشري ليست كلها واعية كي تحاكيها الآلة الذكية؛ فثمة تجارب وسلوكيات تصدر عن مناطق في دماغ الإنسان مسؤولة عن اللاوعي والتجارب غير الإرادية. وهذه هي المعضلة في عمل الروبوتات، كونها لا تستطيع أن تثبت نجاحها في مجال الإحساس والوعي بشكل ذاتي؛ ثم هي بحاجة دومًا إلى المراقبة من خبراء بشريين. ذلك أن خوارزميات هذه الآلات الذكية ليس لها إحساس عاطفي في التفاعل مع العالم الواقعي. أولًا لأن ذلك يتطلب منها أن تستشعر الوقت وتعي المواقف بشكل ذاتي، وهو أمر مستحيل، وثانيًا أن احتمال تدهور الأنظمة والبرمجيات وارد دائمًا، وعادة ما يقع بشكل مفاجئ سريع وكلي على عكس الكائنات الحية التي لا تنهار فجأة».

مما تركز المؤلفة عليه الضوء أن المحاكاة هي أساس ما نراه في الذكاء الصناعي من قدرات، وأن هذا ما ينبغي أن نضعه في بالنا ونحن نتعامل معه، مدركين أن ما يقدمه هو في الحقيقة خلاصة عمليات محاكاته الرقمية للبيانات المتراكمة في الإنترنت والمخزونة على مدى العقود الماضية. والأمر في نجاح عملية المحاكاة مرهون بمستخدم الذكاء الصناعي فقد يُحسن استعماله فيسهل عليه أداء أغراضه بدقة وسرعة.

أما بالنسبة إلى المستخدم الذي يريد من الذكاء الصناعي كتابة أدب سردي أو شعري أو نقدي، فهو بالأساس يستعين بالدينامية العصبية للبرمجيات الحاسوبية كي تحاكي الآلاف وربما الملايين من النصوص التي لها علاقة بما يُراد البحث فيه، ثم لن يقع على جديد، فتكنولوجيا الذكاء الصناعي ليست مثل العقل البشري تتضمن عمليات نفسية وذاتية، بل هي تستطيع المحاكاة كعلمية منطقية وحسب، مع ضرورة وجود وسيط بشري كي يؤدي الذكاء الصناعي الوظائف المطلوبة منه. ومن دون هذا الوسيط لن تتمكن أقوى برامج الذكاء الصناعي من العمل من تلقاء نفسها.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد