خرج المناضل اللبناني المؤيّد للقضية الفلسطينية جورج إبراهيم عبدالله من السجن في فرنسا، اليوم الجمعة (25 تموز/يوليو 2025)، بعد أمضى أكثر من 40 عاماً في السجن لإدانته بتهمة التواطؤ لاغتيال دبلوماسيين إسرائيلي وأميركي في ثمانينيات القرن الماضي، ويعدّ عبدالله من أقدم السجناء في فرنسا. وبموجب قرار المحكمة بالإفراج عنه. وجدد المناضل اللبناني، جورج عبد الله، تأكيده على نهج المقاومة واستمراريته، قائلًا إنّ «المقاومة مسمّرة في هذه الأرض ولا يمكن اقتلاعها».
استقبلت الحشود في مطار رفيق الحريري الدولي، المناضل اللبناني جورج عبد الله، الذي وصل إلى العاصمة اللبنانية بيروت بعد 41 عامًا من الأسر في السجون الفرنسية. وفي تصريحات أدلى بها من قاعة الشرف عقب وصوله، أكد عبد الله أنّ «صمود الأسرى في سجونهم يعتمد على صمود رفاقهم في الخارج». وجدد المناضل اللبناني تأكيده على نهج المقاومة واستمراريته، قائلًا إنّ «المقاومة مسمّرة في هذه الأرض، ولا يمكن اقتلاعها»، كما أكد أنّ «مقاومتنا ليست ضعيفة بل قوية»، داعيًا إلى الالتفاف حولها أكثر من أي وقتٍ مضى.
أضاف عبد الله أنه «طالما هناك مقاومة، هناك عودة إلى الوطن»، في إشارة إلى عودته من الأسر بعد أعوام طويلة إلى بلده لبنان، متوجهًا بالتحية إلى شهداء المقاومة واصفًا إياهم بـ«القاعدة الأساسية لأي فكرة تحرر». وشدد على أنّ «المقاومة في فلسطين يجب أن تتصاعد»، مضيفًا أنّه «من المعيب للتاريخ أن يتفرج العرب على معاناة أهل فلسطين وأهل غزة». ودعا عبد الله الجماهير المصرية إلى التحرك لنصرة غزة، قائلًا إنّ «عليهم العمل على وقف الإبادة والمجاعة في القطاع المحاصر لأنهم قادرون على ذلك».
مولد جورج عبد الله ونشأته
وُلِد في 2 نيسان/ أبريل 1951 بقرية القبيات في محافظة عكار شمال لبنان، لأسرة مسيحية مارونية. في سبعينيات القرن العشرين زاد اهتمامه بالقضايا القومية العربية وحقوق الفلسطينيين، وأصبح مناصرًا للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما دفعه لاحقًا إلى الانخراط في الحركة الوطنية اللبنانية. ومنذ الخامسة عشرة من عمره، بدأ جورج الانخراط في العمل السياسي وانضم إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي.
ظروف اعتقاله
في أوائل الثمانينيات أسس مع آخرين "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية"، واعُتقل في فرنسا عام 1984 بتهم تتعلق بتزوير وثائق وحيازة أسلحة، وحُكم عليه بالسجن المؤبد عام 1987. ورغم استيفائه متطلبات الإفراج المشروط عام 1999، فإن طلبات الإفراج عنه رُفضت عدة مرات بسبب ضغوط دولية.
وفي 17 تموز/يوليو 2025، أصدر القضاء الفرنسي قرارًا بالإفراج عنه وتقرر التنفيذ في 25 تموز/يوليو من العام نفسه، وذلك بموجب حكم صادر عن محكمة الاستئناف.
تجربته العملية
أكمل جورج عبد الله دراسته في دار المعلمين في الأشرفية ببيروت، وتخرّج منها عام 1970، ثم بدأ حياته المهنية مدرسًا في مدرسة بمنطقة أكروم بعكار، وبدأ آنذاك وعيه يتبلور نتيجة الأوضاع المأساوية التي تعاني منها المنطقة.
في أواخر السبعينيات، انضم جورج إلى الحركة الوطنية اللبنانية، وهي تحالف نشط خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وأظهر عداءه لـ"إسرائيل" قبل أن ينتسب مطلع الثمانينيات إلى حركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اليسارية.
عام 1980 أسس وآخرون "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية" الماركسية المناهضة للإمبريالية، وقد تبنت الحركة 5 هجمات في أوروبا بين عامي 1981 و1982 في إطار الأنشطة الموالية للقضية الفلسطينية.
ونسبت إلى الحركة العديد من أعمال الاغتيال، بما في ذلك مقتل تشارلز راي، نائب الملحق العسكري في السفارة الأميركية بفرنسا، ويعقوب بارسيمانتوف، المستشار الثاني في السفارة الإسرائيلية في باريس.
وأثناء محاكمته بفرنسا قال جورج مقولته المشهورة "انا مقاتل ولست مجرمًا"، وأضاف "إن المسار الذي سلكته، أملته عليّ الإساءات لحقوق الإنسان التي تُرتَكب ضد فلسطين".
اعتقاله وسجنه
كان جورج عبد الله يقيم في سويسرا، قبل أن يذهب إلى فرنسا لتسليم وديعة شقة أستأجرها، واعتقلته الشرطة الفرنسية في مدينة ليون في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1984 بتهمة حيازة جواز جزائري مزور، وحُكم عليه بالسجن 4 سنوات في سجن لانميزان.
وردًا على اعتقاله، اختطفت مجموعته المسلحة الدبلوماسي الفرنسي سيدني جيل بيرول في 23 آذار/مارس 1985 وافقت فرنسا على تبادل المعتقلين عبر الجزائر، غير أنها لم تفِ بوعدها بإطلاق سراح جورج.
وفي ذلك الوقت، كشفت الشرطة الفرنسية عن عثورها على ما قالت إنها متفجرات وأسلحة في الشقة وقت الصفقة، بما في ذلك المسدس الذي يُعتقد أنه استُخدم في مقتل تشارلز راي وبارسيمانتوف.
في آذار/مارس 1987، حُكم على جورج عبد الله بالمؤبد بتهمة "التواطؤ في أعمال إرهابية"، والمشاركة في اغتيال الدبلوماسيين الأميركي والإسرائيلي.
وبحسب محاميه ومناصريه، فإن "محاكمة عبد الله كانت موجهة من قبل قوة أجنبية -في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية– عارضت طلبات الإفراج عنه".
مطالب بالإفراج
وفي عام 1999 استوفى جورج عبد الله متطلبات إطلاق سراحه المشروط وفقًا للقانون الفرنسي، غير أنه تم رفض الإفراج عنه مرات عدة، وتخوفت فرنسا من "أن يمثل إطلاق سراحه، باعتباره شخصية رمزية في النضال ضد الصهيونية، حدثًا كبيرًا في لبنان"، وفقًا للمديرية العامة للشرطة في ذاك الوقت.
وعلى مدى أعوام رُفضت طلبات إطلاق سراحه المشروط، وفي شباط/فبراير 2012 زار رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي العاصمة الفرنسية باريس وطالب بإطلاق سراحه، واصفًا إياه بـ "السجين السياسي".
وفي عام 2013، وافق القضاء الفرنسي مبدئيًا على الإفراج عنه بشرط ترحيله إلى لبنان، لكن وزارة الداخلية الفرنسية لم تصدر أمر الترحيل اللازم لتنفيذ القرار، ما أبقاه في السجن.
وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، فقد كلف الرئيس ميشال عون عام 2018 المدير العام للأمن بالتواصل مع رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنارد إيمييه، سعيا لإيجاد حل لقضية جورج.
وفي عام 2020، جدد جورج محاولاته من خلال مراسلات مع وزير الداخلية، لكن جهوده لم تلقَ استجابة.
وقد نُظمت مظاهرات عدة أمام السفارة الفرنسية في بيروت، تطالب بالإفراج الفوري عن جورج عبد الله والتوقيع على قرار ترحيله إلى لبنان.
الإفراج
في 17 تموز/يوليو 2025، أصدر القضاء الفرنسي قرارًا بالإفراج عن اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، أحد أقدم السجناء السياسيين في فرنسا، بعد نحو 4 عقود قضاها خلف القضبان.
وتقرر تنفيذ قرار الإفراج في 25 تموز/يوليو من العام نفسه، وذلك بموجب حكم صادر عن محكمة الاستئناف في جلسة مغلقة عُقدت في قصر العدل بالعاصمة باريس، بغياب عبد الله.