فاتن الحاج (جريدة الأخبار)
أقرّ المجلس النيابي في جلسته التشريعية الخميس الماضي قانوناً يمنح مديري المدارس والثانويات الرسمية تعويض إدارة، يُحتسب بنسبة 20% من الراتب ومضاعفاته (10% للمديرين المكلّفين منذ أكثر من خمس سنوات)، بما في ذلك التعويضات المؤقّتة والمساعدات الاجتماعية.
واعتمدت لجنة التربية النيابية توصية وزارة التربية بخفض النسبة من 30%، كما وردت في اقتراح القانون الأساسي، إلى 20%. ومن الأسباب الموجبة التي أُرفقت بالقانون، أن «حُسن أداء مهام الإدارة يتطلّب تفرّغاً كاملاً من المدير، ويمنعه، بخلاف باقي أفراد الهيئة التعليمية، من التعاقد مع أي مؤسسة تعليمية». إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، إذ يحصل المديرون اليوم على ما يُعرف بـ«ترخيص تدريس»، يتيح لهم التعاقد لتعليم ثلاث ساعات أسبوعياً في مدارس خاصة أو رسمية أخرى لا يديرونها.
ورغم أن تعويض الإدارة ليس جديداً، إذ ينص القانون 73 على منح المديرين 15% من أساس الراتب بعد خضوعهم لدورة في كلية التربية، إلا أن التعديل الجديد أثار استياء في أوساط المعلّمين، لكونه يمنح امتيازات إضافية لفئة المديرين من دون أي مراجعة لدورهم أو مهامهم أو تقييم أدائهم. وتلفت هذه الأوساط إلى أن المديرين باتوا يُعاملون كفئة مستقلّة عن بقية الأساتذة والمعلّمين، من دون تعديل في صلاحياتهم المحدّدة في الأنظمة الداخلية للمدارس الرسمية. وتشير إلى أن المدير هو اليوم «موظف مؤبّد»، قد يبقى في موقعه ثلاثين عاماً من دون تغيير، ولا يُغادره إلا بالتقاعد أو المرض أو الوفاة. وخلال هذه السنوات، ينقطع تماماً عن التعليم، ما يفصله عن واقع الصف وتلامذته.
وإذا كان تعويض الإدارة حقاً مشروعاً لمديري المدارس مقابل تفرّغهم الكامل لمسؤولياتهم الإدارية - من وضع الخطط التربوية، إلى عقد الاجتماعات والتواصل مع المناطق التربوية ومركز الوزارة في بيروت، ومتابعة المعاملات مع الدوائر الرسمية - فإن مصادر داخل الجسم الإداري والتعليمي تطرح سلسلة من التساؤلات، منها: «هل جميع المديرين يلتزمون فعلاً بهذا التفرّغ؟
وهل يتابعون المعاملات بأنفسهم، أم أن بعضهم لا يداوم بانتظام بعدما اختار طاقمه من المحسوبين على أسرته أو الجهة الحزبية التي ينتمي إليها، ما يتيح له تغطية غيابه في أي وقت؟ وهل أُعفي يوماً أيّ مدير من مهامه بسبب تقصيره الإداري أو ضعف نتائج طلابه؟ وماذا عن الامتيازات والمكاسب الشخصية التي يحصل عليها بعض المديرين المحظيين، بفضل علاقاتهم مع وزراء التربية أو نافذين في الوزارة؟ وما معنى أن يكون للمديرين منتدى خاص بهم؟ وهل بات المعلّمون منقسمين إلى فئات، كل منها تطالب بحقوقها منفردة؟ وهل سنشهد مستقبلاً تكتلات نقابية لأساتذة المواد؟ وماذا عن سوء استخدام المديرين لنفوذهم في العمل النقابي وفرض سلطتهم على الأساتذة؟».
يقرّ بعض المديرين بأن توقيت صدور قانون تعويض الإدارة ساهم في تأجيج مشاعر التوتر داخل الجسم التعليمي، خصوصاً في ظلّ الحديث عن احتمال زيادة أيام التدريس. ويرى هؤلاء أن القانون عُرض في توقيت «جيّش الأساتذة ضدّنا»، فيما الحقيقة، كما يقولون، أن الزيادة المقرّرة لا تعادل سوى ثلث ما كانوا يتقاضونه قبل الأزمة، و«ربّما أصبحت اليوم أقرب إلى ما يتناسب مع حجم المسؤوليات الفعلية المُلقاة على عاتق المدير، وهي كبيرة وقد تمتد إلى ما بعد الدوام الرسمي، وقد تشمل أيام العطل الأسبوعية وإجازة الصيف لإعداد موازنات المدارس وتقييم حاجاتها»، ناهيك عن أعباء مالية إضافية يتكبّدها المديرون أثناء تنقّلهم إلى المناطق التربوية أو العاصمة، حيث قد يقضون يوماً كاملاً في متابعة معاملات المدرسة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويُشار إلى أن نصاب المدير الرسمي هو 30 حصة أسبوعياً، تمتد كل واحدة منها إلى 60 دقيقة، مقابل 20 حصة أسبوعية للأستاذ، مدة كل منها 45 دقيقة.
عضو لجنة التربية النيابية، النائب إدغار طرابلسي، استغرب «تصاعد الاعتراضات كلّما جرى تشريعٌ ينصف فئة من الموظفين». واعتبر أن تعويض الإدارة «بدل حتمي ومنطقي ومحقّ، مقابل مسؤوليات إضافية يتحمّلها المديرون خارج الدوام الرسمي، ولا يُفترض أن يُربط بتقييم الأداء أو بنتائج المدرسة، والتي من الممكن أن تُكافأ بتعويضات مختلفة، ولا بعامل الزمن الذي يمضيه المدير في موقعه، بل يُمنح مقابل تفرّغه التام للإدارة». ويبدو طرابلسي مقتنعاً بأن المدير الحقيقي لا يملك ترف الوقت للتدريس في مؤسسات أخرى، و«المدير القوي والمستقرّ مادياً يصنع مدرسة رسمية قوية».