اوراق مختارة

ملاحظات قانون تعديل قانون إيجار الأماكن غير السكنية

post-img

نادر عبيد (جريدة الأخبار)

لم تكن ولادة قانون إيجار الأماكن غير السكنية سهلة. فقد رافقها ارتباك تشريعي تمثّل بقرار إصداره من مجلس الوزراء، تلاه قرار آخر بالرجوع عن قرار الإصدار وردّه إلى مجلس النواب، ثم تقرير استرجاعه لنشره تحت الرقم 1 تاريخ 3/4/2025.

ولدى نشره، طُعن به أمام المجلس الدستوري الذي أبطل عملية النشر، ليصار إلى نشره مجدداً من قبل رئيس الجمهورية تحت الرقم 11 تاريخ 12/6/2015، فطُعن به مجدداً أمام المجلس الدستوري الذي أبطل إحدى فقراته.

بعد هذا المخاض الصعب الذي رافق ولادة القانون تقدمت لجنة الإدارة والعدل باقتراح قانون قدّمه النائب جورج عدوان لتعديله فتم إقرار التعديل بتاريخ 31/8/2025.

من مراجعة الأسباب الموجبة للقانون التعديلي يتبين أنها تتعلق بـ «ما يضمن حقوق ومصالح كلا الطرفين (المالكين والمستأجرين)، لحين تحرير العقود، وتبعاً لتأثيره على النشاط التجاري للمستأجرين الذين تملكوا المؤسسة التجارية بموجب عقود تفرّغ أو سواها متعلقة بالمؤسسة التجارية وفقاً لأحكام القانون 11/67». وورد في الأسباب الموجبة للتعديل أيضاً، أنه يهدف إلى المساواة والتوازن بين المالكين والمستأجرين من دون أن يلحق ضرراً بأي من الطرفين.

الملاحظة الأولى بشأن الأسباب الموجبة هي عدم الإشارة إلى أي دراسة إحصائية أو علمية تتناول الدوافع التي دعت إلى التعديل، سواء لناحية عدد الأشخاص أو المؤسسات المطلوب حمايتهم من التأثير على نشاطهم التجاري وعلاقتهم مع المالكين، ومقدار الإيجار وعدد السنوات التي استفادوا خلالها من المأجور، أم لناحية الأرقام التي تم طرحها بشكل جزافي (4% و5% و8%)، أو لناحية السنوات المطروح تمديدها وتأثيرها الاقتصادي على تلك المؤسسات التجارية، وأسباب المفاضلة بين المستأجرين الذين قسّمهم التعديل إلى طبقات.

اكتفت الأسباب الموجبة بالقول إن التعديلات منبثقة من «مقاربة من زاوية مختلفة (...) لما لهذه العقود من تأثير على المستأجرين الذين تملكوا المؤسسة التجارية بموجب عقد تفرغ»، أي أن التعديل للقانون جاء مراعاة لأولئك الذين اشتروا مؤسسة تجارية بكل عناصرها، بما في ذلك حق الإيجار.

وبمناسبة التمديد لهؤلاء المشترين، وفي سياق القيام بورشة التعديل، تم تمرير التمديد لكل مستأجري الأماكن غير السكنية من محلات تجارية ومهن حرة. وبالمحصلة، كانت الأسباب الموجبة في مكان والقانون في مكان آخر.

الملاحظة الثانية، تتناول أيضاً ما أوردته الأسباب الموجبة من أن القانون التعديلي يهدف إلى إيجاد توازن بين الحقوق والمصالح. أي أن التعديل موضوع البحث وضَع الحقوق (ومنها حق الملكية المنصوص عليه في الدستور) في كفة، والمصالح (وهي تتعلق بحالة خاصة هي حالة شراء المؤسسة التجارية التي يقع فيها المأجور) في كفة أخرى، وساوى بينهما.

وللإيضاح، فإنه في حال تنازل مستأجر عن مؤسسته التجارية الكائنة في المأجور، تنتقل إجارة المحل الكائنة فيه المؤسسة حكماً إلى المتنازل له باعتبار أن الأجارة تشكل أحد عناصر المؤسسة المتنازل عنها.

بذلك أوجد القانون المعدل فئة جديدة من المعنيين بالقانون، إضافة إلى المالكين والمستأجرين، تنضم إلى التنازع حول القانون، وهي فئة المستأجرين الذين انبثقت إجارتهم عن عقد تنازل عن مؤسسة تجارية. فقد افترض التعديل أن القانون الأساسي لم يراع هذه الحالة إذ أنه يؤدي إلى تقليص مدة استفادة مشتري المؤسسة من المأجور، وبالتالي إلى حرمانه من الاستفادة من أحد عناصر المؤسسة المتنازل عنها. وعلى هذا الأساس، تم طرح التعديل باعتبار أنه يضع «حلاً عادلاً» لهذه المشكلة.

وهذا المعيار الذي يساوي بين حق الملكية من جهة والمصالح العائدة لتعاملات تجارية محددة من جهة أخرى، يخالف المنظومة القانونية اللبنانية. ذلك أن حق الملكية منصوص عليه في الدستور بأنه في حمى القانون، وهو من الحقوق الأساسية التي يقوم عليها النظام العام الاقتصادي اللبناني، وبالتالي ليس محلاً للتنازل عنه في مفاضلة بينه وبين أي «مصالح»، لا سيما أنها (أي المصالح المقصودة في النص التعديلي) تعود إلى عدد من الأفراد لا إلى المجتمع أو للدولة.

وعليه، يمكن القول إن ما أورده القانون التعديلي بأنه يهدف إلى إيجاد توازن بين الحقوق والمصالح كسبب موجب له، يشكل مخالفة للدستور الذي لا يساوي بين المصالح والحقوق، بل يصون بالدرجة الأولى الحقوق ومن ضمنها، بل أهمها، حق الملكية.

بعد هذه الملاحظات الأولية على الأسباب الموجبة، لا بد من الالتفات إلى نص القانون التعديلي، لا سيما ما ورد في المادة الأولى منه التي تم بموجبها تعديل المادة 3 من القانون 11/2025 لتصبح كما يلي:

أ‌- تمدد الأجارة في الأماكن غير السكنية وفقاً لما يلي:

1- لمدة أقصاها خمس سنوات لعقود الأجارة في الأماكن غير السكنية المعقودة والمنتهية مدتها الأصلية قبل 23/7/1992.

2- لمدة أقصاها ست سنوات لعقود الإيجار الناشئة عن عقود متعلقة بالمؤسسة التجارية وفقاً للمرسوم الاشتراعي رقم 11/67 والمعقودة قبل عشر سنوات على نشر القانون رقم 11 تاريخ 12/6/2025 (قانون إيجار الأماكن غير السكنية).

لسنا في معرض التوسع في نقد لغة النص، لكن لا بد من الملاحظة أنه لم يراع قاعدة أساسية من قواعد صياغة القوانين، وهي قاعدة «المشرّع لا يلغو»، وبالتالي لا يستعمل مفردتين مختلفتين للتعبير عن حالة واحدة، كما لا يكرر العبارات من دون لزوم، كما هو وارد أعلاه، وإلا كانت النتيجة إساءة لفهم مقاصده.

من حيث الشكل، يمكن فهم (وليس تبرير) البند 1 باعتبار أنه يمدد عقود إيجار الأماكن غير السكنية المعقودة والمنتهية مدتها الأصلية قبل 23/7/1992 لمدة أقصاها خمس سنوات.

أما البند 2 والبنود التي تليه، فقد جاءت غير موفقة في التعبير، وتحتاج لفهمها إلى الاستعانة بالأسباب الموجبة، حيث يتبين أنها تتناول عقود الإيجار التي تم التنازل عنها من قبل المستأجر الأساسي إلى مستأجر آخر ضمن تنازله عن مؤسسة تجارية كائنة في المأجور.

بالتالي فإن التعديل جاء ليحمل المالك عبء مخاطر علاقة تعاقدية ناشئة بين المستأجر الأساسي والمتنازل له، ولا صلة له بها، الأمر الذي يخالف المبادئ العامة والغاية الأساسية من التشريع وهي انتظام العلاقات بين الناس.

ومراعاة «مصلحة» مشتري المؤسسة التجارية تستدعي بحجة أولى مراعاة وضع شخص باع ملكه بالليرة اللبنانية قبل الأزمة، وقبض أموالاً فقدت قيمتها الشرائية، فهل يمكن حصر حماية المصالح بفئة معينة؟

أما البند ج، فقد جاء ليمنح المستأجر لمأجور تكون مساحته خمسمئة متر وما فوق، تمديداً لثماني سنوات في حال قام بأي من أعمال الصيانة التي هي على عاتق المالك.

ومن المعلوم أن كافة المستأجرين قاموا ويقومون عادة بإجراء أعمال الصيانة تبعاً لعدم قدرة المالك على القيام بهذه الأعمال، لا سيما أن قيمة النفقات تفوق عادة بدلات الإيجار، وبالتالي فإن النص يمكن ان يكون موجهاً لمستأجري الأماكن التي تفوق مساحتها الخمسمئة متر.

ثمة تساؤلات بهذا الصدد: ما هي الغاية من منح هذا المستأجر، من دون سائر المستأجرين، هذا الامتياز؟ وما هو مبرر هذا الاستثناء؟ وهل هذا المستأجر جدير بالحماية أكثر من مستأجر المأجور الذي تبلغ مساحته ثلاثمئة أو أربعمئة متر؟

لم تجب الأسباب الموجبة عن أي من هذه التساؤلات. لكن، وفي أي حال، فإن حصر هذا الامتياز بالمأجور الذي تتجاوز مساحته الخمسمئة متر لا يجد له أي مبرر، كما يتعارض مع مبدأ المساواة التي أوردها التعديل كسبب موجب له.

بالمحصلة، يمكن القول إن القانون التعديلي موضوع هذا البحث المختصر مشوب بعدد غير قليل من الأخطاء على المستويات المبدئية والشكلية والموضوعية، ما يجعلنا نعتقد أن حظوظ نجاح الطعون المتوقعة فيه ستكون كثيرة. لكن يبقى التساؤل حول الآلية المعتمدة لسنّ القوانين في لبنان عامةً والمراحل الواجب المرور بها لوضعها بدءاً من أسبابها الموجبة، ووجوب اعتماد الأساليب العلمية والإحصائية في ذلك، وصولاً إلى اللغة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد