اوراق مختارة

شهداء طرابلس الـ 14 طفلاً في معركة الإستقلال... من هم... وكيف استشهدوا؟

post-img

جهاد نافع (صحيفة الأخبار)

شهداء طرابلس في معركة الاستقلال، همشوا طوال ثمانين عاما، رغم محاولات متعددة لتخليد ذكراهم، وحفر اسمائهم في كتب تاريخ لبنان، وهم الذين استشهدوا دهسا تحت جنازير الدبابات الفرنسية، اثناء قمع السلطات العسكرية الفرنسية ، لتظاهرة طلابية مناهضة للانتداب الفرنسي حينذاك، ورافعين شعارات الاستقلال والمطالبة بالافراج عن المعتقلين السياسيين في قلعة راشيا.

فمن هم هؤلاء الشهداء، وكيف استشهدوا؟ اثر اقتحام قوة فرنسية مزرعة الرئيس الراحل المفتي عبد الحميد كرامي في مرياطة، لاعتقاله ونقله الى قلعة راشيا حيث جرى اعتقال آخرين، ساد غضب عارم في الشارع الطرابلسي، ونظمت تظاهرة حاشدة من طلاب مدرسة التربية والتعليم الاسلامية، وانضم اليهم طلاب مدرسة "الفرير" الكائنة في الزاهرية، وذلك يوم السبت 13 تشرين الثاني 1943.

كان اعتقال الرئيس الراحل عبد الحميد كرامي يوم الجمعة في 12 تشرين الثاني عام 1943، فاحتشد الطرابلسيون في الجامع المنصوري الكبير، الذي شهد اكبر حشد في ذلك الزمن، محتجين على ممارسات السلطة الفرنسية، ومطالبين بالافراج الفوري عن كرامي وزملائه.

في اليوم التالي، اطلقت دعوات تصعيدية الى التظاهر، ومواجهة قوات الانتداب الفرنسي بجرأة متناهية فكان نهار السبت 13 تشرين الثاني يوما مشهودا، حين خرج طلاب دار التربية والتعليم الاسلامية، وتجمعوا في مسجد طينال في باب الرمل، وانطلقوا بتظاهرة حاشدة جابت شوارع طرابلس، وصولا الى مدرسة "الفرير" في الزاهرية، التي انضم اليها اساتذتها وابرزهم محي الدين مكوك وفؤاد الولي، وطلاب المدرسة. وتابعت التظاهرة سيرها نحو ساحة التل، وباتجاه شارع المصارف، وصولا الى ساحة السلطي في محلة الجميزات، وكانت الدبابات والمجنزرات الفرنسية بانتظار المتظاهرين في وضعية الاستنفار، وبلحظة تلقى الجنود السنغاليون اوامر ضباطهم الفرنسيين بالتحرك نحو الطلاب وقمعهم، وجميعهم من الاطفال لا يتجاوز عمر اكبرهم 15 سنة.

جابهت الدبابات الفرنسية المتظاهرين الطلاب، وداست أجسادهم مرتكبة افظع مجزرة، حيث استشهد فيها 14 طالبا وجرح أكثر من 25 آخرين.

ويذكر شهود عيان، ان الفتى احمد الخطيب، نجل احدى شخصيات طرابلس تمدد وسط الطريق تحت إحدى الدبابات، التي عبرت فوقه دون أن يمس باذى، ونجا من الموت بأعجوبة.

ولاحقت إحدى الدبابات طفلا من عائلة هاجر، فحشرته أمام أحد الجدران وبترت يده، واصيب مواطن برصاصة اطلقها احد الجنود السنغاليين فقتل على الفور.

كانت نتيجة المواجهات سقوط 14 شهيدا من الاطفال والفتيان، الذين شيعوا في اليوم التالي بمسيرة حاشدة غاضبة، انطلقت من الجامع المنصوري حيث صلي على جثامينهم، بعد كلمة رثاء للقاضي الشيخ عبد اللطيف زيادة. ووري الشهداء في ثرى مدافن الشهداء في باب الرمل، والشهداء هم: سليم صابونة، أحمد صابر كلثوم، رشيد رمزي حجازي، فوزي قاســم شحود، محمد ثروت، عبدالغني أفيوني، عباس إبراهيم حبوشي، محمد علي حسين خضر، عبد القادر مصطفى الشهال، كمال عبد الرزاق ضناوي، وديع خاطر بركات، أحمد جوجو، محمد حسين المحمد، وسليم الشامي.

ويذكر المؤرخ الدكتور عمر تدمري ان "طرابلس شهدت في 13 تشرين الثاني عام 1943 يوما مشؤوما من تاريخها، وصب الطرابلسيون جام غضبهم على الاستعمار الفرنسي، وظل الوضع في المدينة متأزما ومتوترا على أعلى الدرجات، الى حين إطلاق سراح المعتقلين من قلعة راشيا وإعلان استقلال لبنان"، لافتاً الى أن "طرابلس كانت المدينة اللبنانية الوحيدة التي تحركت في وجه المستعمر الفرنسي، وتحملت الثمن الباهظ وقدمت أطفالها قرابين على مذبح الحرية والاستقلال. وبالتالي كان لها دور كبير في تحقيق هذا الاستقلال، وهــي كانت قبل 9 سنوات أي عام 1936 أعلنت الاضراب المفتوح لمدة 36 يوماً، احتجاجاً على تجاوزات الاستعمار الفرنسي، وقد جاءها زعماء دمشق والبلاد العربية وقاموا بوساطة كبرى مع رجالات المدينة لإعادة الحياة إليها".

ومنذ حوالي عشر سنوات، اقامت بلدية طرابلس في موقع المجزرة في نهاية شارع المصارف - ساحة السلطي، نصبا تذكاريا للشهداء حفرت عليه اسماء الاربعة عشر شهيدا، تخليدا لذكراهم، ولدور طرابلس الوطني في معركة الاستقلال.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد