أوراق سياسية

عام على اتفاق وقف إطلاق النار: الأفق مسدود.. ولبنان أمام معادلة دقيقة!.. 

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)
  
يدخل إعلان وقف إطلاق النار اليوم الخميس عامه الأول، في ظل حرب "إسرائيلية" مستمرة ومرشحة للتصعيد أو لأن تكون مفتوحة، تهدف إلى إخضاع لبنان ودفعه إلى مفاوضات مباشرة تحت النار تلغي هذا الاتفاق لمصلحة اتفاق إذعان يقضي بتشريع الاحتلال وإقامة المنطقة العازلة على الحدود الجنوبية وربطها بجنوب سورية، بدعم واضح من الولايات المتحدة الأميركية التي فقدت صفة الوسيط النزيه وتحولت إلى عنصر ضاغط لتحقيق الأهداف "الإسرائيلية".

الاتفاق سمح للمقاومة وبيئتها بالتقاط الأنفاس بعد الخسائر التي لحقت بها خلال الحرب وقبلها لا سيما على صعيد مجزرتيّ البايجر والتوكي ووكي واغتيال القادة، في حين وعبر خديعة أميركية أعطى "إسرائيل" ما لم تستطع تحقيقه في الحرب على صعيد التوغل والاحتلال.

لم ينجح اتفاق وقف إطلاق النار في إنتاج الاستقرار المنشود، ففي الوقت الذي التزم فيه لبنان بحرفية بنوده، وحافظت المقاومة على انضباطها بعدم إطلاق أي رصاصة تجاه العدو، واصلت "إسرائيل" عدوانها بوتيرة متفاوتة شهدت تصعيدًا خطيرًا مؤخرًا لتختتم العام الأول بأكثر من 5500 خرقا برًّا وجوًّا وبحرا، وبـ 336 شهيدا، وبأكثر من 950 جريحا.

سعى لبنان إلى سحب كلّ الذرائع من العدوّ الصهيوني، فأصدرت الحكومة قرار حصرية السلاح، وكلفت الجيش إعداد خطة متكاملة لذلك مع الانتشار في جنوب الليطاني، وبالفعل بدأت المؤسسة العسكرية تنفيذها بالتنسيق الكامل مع قوات اليونيفل، وهي تقدم تقارير دورية إلى الحكومة حيث أنجزت ما يقارب 85% من عملها، وما يزال لديها النقاط المحتلة التي لا تستطيع الدخول إليها أو العمل فيها لأن ذلك إما سيؤدي إلى مواجهات مع جيش العدوّ أو إلى تطبيع مقنع معه.

كما قدم لبنان كلّ الإيجابيات الممكنة التي كرسها رئيس الجمهورية في رسالة الاستقلال لجهة جهوزية الدولة لبسط سلطتها على جنوب الليطاني، وجهوزية الجيش للانتشار واستكمال حصر السلاح، وقيام لجنة الميكانيزم بالإشراف التام، ومن ثمّ التفاوض بعد الانسحاب "الإسرائيلي"  ووقف الاعتداءات، ووضع آلية دولية لدعم الجيش اللبناني، فضلًا عن دأب الرئيس عون على التأكيد بالتزام لبنان بالقرارات الدولية وخصوصًا القرار 1701.

كل هذه الإيجابيات ضربتها "إسرائيل" بعرض الحائط، فلم ترد جوابا حول التفاوض، ولم تتقدّم بأي خطوة تجاه لبنان رغم كلّ الوساطات الدولية، بل على العكس، فهي تعمل على مزيد من الضغط بالنار، عبر الغارات والاستهدافات والاغتيالات والتوسع والتدمير والتجريف والحرق، فضلًا عن التهديدات اليومية على لسان مسؤولي الكيان أو المبعوث الأميركي توم برّاك الذي تحول بعد فشل مهمته في لبنان إلى أداة "إسرائيلية" تتحرك وفقًا لتوجهات بنيامين نتنياهو.

مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ قبل عام، وجه الرئيس نبيه بري نداء إلى أبناء الجنوب بضرورة التوجّه إلى مناطقهم، وقد لبى الجميع هذه الدعوات وشهدت طرقات الجنوب زحمة سير خانقة بسيارات المواطنين الذين رفعوا شارات النصر، لكن هذه العودة ما لبثت أن توقفت وتقلصت بفعل الاعتداءات ومنع "إسرائيل" إعادة الإعمار في مخالفة جديدة لبنود الاتفاق، في وقت لم تبذل فيه حكومة نواف سلام الجهد المطلوب أو أن ترصد الأموال المطلوبة أقله لإنجاز أعمال الترميم لإعادة عشرات آلاف العائلات إلى مناطقها، حيث طرحت "إسرائيل" المنطقة العازلة، وبدأت بقصف أي تحرك إعماري ولو ببيوت مؤقتة في أي بلدة لبنانية بهدف زيادة الضغط على بيئة المقاومة التي تزداد صلابة وتمسكا بنهجها.

أمام هذا الواقع، يبدو الأفق مسدودا، فلا مبادرات ولا حلول ولا ترجمة لأي اتفاق، ما يضع لبنان أمام مفترق طرق، لجهة:

أولا: أن تنجح المساعي الدولية أو أي تسوية في المنطقة في تثبيت الاتفاق وتوسيعه، وهذا يتطلب موقفا إسرائيليا واضحًا بالانسحاب ووقف الاعتداءات.

ثانيا: بقاء الوضع على ما هو عليه من الاعتداءات المتواصلة التي قد تُخرج المقاومة عن طورها في أي لحظة، أو أن تؤسس إلى حركات مقاومة جديدة في البلدات الجنوبية.

ثالثًا: الانزلاق إلى مواجهة شاملة من خلال حرب مفتوحة، وهذا ما حذر منه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي كلّ من التقاهم أمس.

إذًا، عام على اتفاق وقف إطلاق النار، والنتيجة: فشل الدبلوماسية اللبنانية في الوصول إلى أية حلول، ودفن رؤوس بعض المسؤولين من رئيس الحكومة إلى وزير الخارجية بالرمال لتغطية العجز والاعتماد على بعض الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من أمن أو استقرار أو سيادة، التزام للبنان بكامل البنود، التزام وصمود للمقاومة وربما إعادة ترميم لمختلف قطاعاتها، ومزيد من الغطرسة الصهيونية، وما بين الاعتداءات والالتزامات يقف لبنان عند حافة معادلة دقيقة، لا تُغلق فيها أبواب الحرب ولا تُفتح فيها أبواب السلام.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد