اوراق خاصة

"غزة".. أخت المعجزات والموت

post-img

حمزة البشتاوي/ كاتب وإعلامي

غزة ليست مقبرة أو مكانًا للتجويع الجماعي والقتل الميداني، أمام شاحنات المساعدات، وتحت وطأة الصمت والنفاق.

غزة، والتي تعني في المعاجم اللغوية وفي الواقع، القوة والمنعة والقدرة على الصمود، لا تنتظر الفصل الأخير من الحرب، بل تشارك في كتابة السطر الأخير في نهايتها، من دون أن تغرق في البحر أو تتبخر في الهواء.

غزة ستبقى تقدّس الشهادة، وترفض الموت والحزن الكئيب، وتكره صوت القذائف ورائحة الدمار والخراب وصوت "الزنانات" وأنين بطون الأطفال في الخيام المنصوبة على الشاطئ، وبالقرب من المنازل والمباني والأبراج التي تحولت إلى تلال من الركام في أحياء وشوارع أصبحت أثرًا بعد عين.

غزة المدينة، والتي تبلغ مساحتها نحو 56 كم، حوّلتها الحرب إلى زنزانة تقصف، ليلًا ونهارًا، والجوع فيها ليس نقصًا في الطعام؛ بل هو فائض في القتل والخذلان.

غزة جغرافيا مضادة للنسيان، وثابتة في الذاكرة والتاريخ، وتحتضن مخيمات الشاطئ وجباليا، وأحياء الشجاعية والزيتون والتفاح والصبرة وتل الهوى والنصر والدرج والزهراء والشيخ رضوان والرمال... يسكنها نحو مليون إنسان من أبنائها واللاجئين والنازحين الذين يعيشون كل أنواع الموت والقلق الجماعي.. وتتشابه على وجوههم ملامح الأسى، وسط غياب لحظات الهدوء والصفاء، والتي إن وجدت فهي لتأمل الألم والجرح والملح، وما تركته الدبابات من خراب على الطرقات والمباني والزرع، خاصة نبات الصبار الذي تتعمد الدبابات اقتلاعه كونه رمزاً للصمود في الثقافة الفلسطينية.

في غزة، والتي تمثل الجرح الفلسطيني العصي على الانكسار أمام الغزاة ومؤامرات الطغاة، تجد من يتأمل تفاصيل الجرح ومصيره، وسط عدالة غائبة وضمير إنساني جبان وكفيف وعاجز أمام المجرم القاتل وشهوته المغتوحة على المزيد من الدم في الحاضر المشؤوم، وزمن التطبيع والتطويع والتكويع والركوع.

عن تاريخ غزة؛ قال المؤرخ عارف العارف: "غزة صاحبة تاريخ مجيد، صمدت لنوائب الزمان بجميع أنواعها، وطوارئ الحدثان بجميع ألوانها".

الشاعر الراحل سميح القاسم؛ قال ذات يوم لـــ"غزة":

"تفاح جرحك، هل سيثمر للغزاة الفاتحين؟

يتفقد الأغراب جرحك

قد تموت في الفجر غزة، قد تموت

وتعود في الفجر الحزين صيحات حبك والحياة

أقوى وأعلى يا صباح الخير يا أخت المعجزات.

لمّا كان العرب يبحثون عن الخيار الأمثل لإدارة غزة ما بعد الحرب، من دون التدخل أو الضغط لوقف العدوان، فإنّ غزة الرافضة للتهجير والمغروزة بالدم والدمار، سوف تنبت فيها حياة وعشبًا طويلًا وجديدًا في الذاكرة والمكان، وعلى ظلال الحزن وأطلال البكاء، والبطولات الخالدة التي تعكس مقاومة شعب كان وسيبقى يكافح من أجل البقاء على الأرض وعلى قيد الحياة.

غزة، والتي لا تموت، سوف تنهض من جديد على يد أبنائها الذين سيصنعون حياتهم بإرادتهم بعيدًا عن السيناريوهات والمخططات الإسرائيلية والأمريكية والعربية، وبما يليق بـــ"غزة" أخت المعجزات والتضحيات.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد