اوراق مختارة

عقد مصرف لبنان مع K2 Integrity: ملايين الدولارات بالتراضي خارج القانون

post-img

رلى إبراهيم (جريدة الأخبار)

كشف ردّ هيئة الشراء العام على أسئلة نيابية عن تجاوزات فاضحة في العقد الذي أبرمه مصرف لبنان مع شركة K2 Integrity الأميركية، بما يثير تساؤلات جدية حول هذا العقد. فقد أعلن مصرف لبنان في 14 تموز الماضي توقيع الاتفاقية في إطار ما سمّاه «مسعى للخروج من اللائحة الرمادية الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF)». وتنص الاتفاقية على تقديم الدعم الفني والاستشاري اللازم لتعزيز أنظمة مكافحة غسل الأموال (AML) ومكافحة تمويل الإرهاب في لبنان.

بلغت قيمة العقد 12 مليون دولار لمدة ثلاث سنوات، بمعدل أربعة ملايين دولار سنوياً. وبحجة «السرية التامة»، تنصّل سعيد من إجراء مناقصة وعرض العقد على هيئة الشراء العام كما ينصّ القانون. وتبريراً لهذه المخالفة الفاضحة لمبدأ الشفافية والحوكمة، خصوصاً أن الأمر يتعلق بتبديد المال العام وأموال المودعين، استند الحاكم إلى قرار سابق صادر عن مجلس الوزراء يحمل الرقم 3 بتاريخ 3 تشرين الأول 2024، خلال فترة العدوان الإسرائيلي على لبنان، أجازت فيه الحكومة لمصرف لبنان إبرام عقود بالتراضي لصيانة الأنظمة والتطبيقات المعلوماتية وأنظمة الحماية والأمان وغيرها من الصيانات اللازمة للمصرف ذات الطابع السري أو الأمني، التي لا يجوز الإفصاح عنها.

ويريد الحاكم استخدام الحجة ذاتها في زمن السلم، وفي موضوع لا يحمل طابع السرية، لتبرير قفزه فوق القانون وصرف ملايين الدولارات على عقد مشبوه دفعه إليه مستشاره نائب الحاكم السابق محمد بعاصيري، وسط علامات استفهام حول طبيعة العلاقة بين الأخير وشركة K2 Integrity.

على هذا الأساس، وجّه عدد من النواب سؤالين إلى حكومة نواف سلام، حول ما إذا كان قرار مجلس الوزراء السابق يسري على كل عمليات الشراء الرضائي التي يجريها مصرف لبنان، بما فيها اتفاقية التعاون بين مصرف لبنان والشركة الأميركية. والثاني تضمن استيضاحاً عما إذا كان وصف الظروف الاستثنائية الواردة في مقدمة المادة 46 ينطبق على هذه الاتفاقية. وحوّلت الأمانة العامة للمجلس السؤالين إلى هيئة الشراء العام التي سألت البنك المركزي عن سبب عدم نشر الاتفاقية على موقعها الإلكتروني، فجاءها الجواب بأن الاتفاقية تحمل «الطابع الأمني والسري».

وقد ردّت الهئية على السؤال الأول بأن «قرار مجلس الوزراء السابق بُني على الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في حينه وانقضى مفعولها بانقضاء هذه الظروف، وبالتالي لا بد لمصرف لبنان أن يطبق قواعد المادتين 41 و42 من قانون الشراء ويجري عمليات شراء شفافة توازن بين مقتضيات السرية وضرورات المصلحة العامة». أما في ما يتعلق بالسؤال الثاني، فأشارت الهيئة إلى أن الحاكم نفسه أوضح أن هذه الاتفاقية تهدف إلى رسم خريطة للاقتصاد النقدي في لبنان واستعادة الثقة بالقطاع المالي اللبناني وتلبية متطلبات مجموعة FATF للخروج من اللائحة الرمادية. وتلك أسباب، «لا تدخل ضمن نفقات شراء اللوازم والخدمات ذات الطابع السري».

ما سبق يشير بما لا لبس فيه إلى أنّ حجة الحاكم لتبرير تبديد ملايين الدولارات على عقد بالتراضي ساقطة حكماً، تماماً كما هي حجة «استقلالية مصرف لبنان». فالمصرف يخضع لقانون الشراء العام في جميع عملياته، باستثناء ما يتعلق بطباعة وإصدار النقد وتحويلاته المالية. إضافة إلى ذلك، تفرّد سعيد بتوقيع هذه الاتفاقية من دون المرور بالمجلس المركزي، وهي مخالفة إضافية تعيد إلى الأذهان الصفقات المشبوهة التي كان يقوم بها الحاكم السابق رياض سلامة مستخدماً الحجج نفسها. ولا تكمن الخطورة في الاتفاقية وحدها، بل في سعي سعيد إلى إرساء قاعدة جديدة تقضي بتجنيب المصرف الخضوع لبنود قانون الشراء العام.

من هذا المنطلق، يشكّل جواب رئيس هيئة الشراء العام جان العلية سنداً قانونياً يسمح بإعادة انتظام عمل المصرف، ويخوّل أي نائب من النواب الموقعين على الكتاب الطعن بالاتفاقية أمام مجلس شورى الدولة وإبطالها وفق مادة قانونية واضحة، بسبب عدم انطباق مبدأ السرية على صفقة مماثلة. كما تترتب على ردّ رئيس الهيئة مسؤولية على الحكومة أمام مجلس النواب لتبرير سبب القبول بتمرير الصفقة عبرها. ويمكن أن يتدرج هذا الملف من مجرد سؤال نيابي إلى استجواب للحكومة داخل المجلس.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد