اوراق مختارة

بين الحلم والعمى… جدل عمليّة تغيير لون العيون

post-img

أمل سيف الدين (جريدة الديار)

في عالم يتزايد فيه هوس الناس بالمظهر الخارجي، لم يعد تغيير لون الشعر أو ملامح الوجه كافياً، بل امتدّ الحلم ليشمل العيون أيضاً، تلك المرآة التي تعكس الروح. وفي السنوات الأخيرة برزت تقنيات طبية تجميلية تَعِدُ بتغيير لون العيون بشكل دائم، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام وعود مغرية من جهة، وتحذيرات مخيفة من جهة أخرى.

في هذا السياق، أجرت جريدة الديار مقابلة مع طبيب التجميل نادر صعب الذي قدّم نفسه كأول من استقدم إلى العالم العربي تقنية يصفها بالثورية، تتيح تغيير لون العين خلال ربع ساعة فقط، ومن دون ألم أو مضاعفات تُذكر. صعب، الذي يحرص على إظهار نجاحات التقنية في مقاطع الفيديو التي ينشرها، تحدث للديار بثقة قائلاً إن الإجراء المعتمد في مستشفاه، والمعروف باسم Femtolasic Keratopigmentation، "آمن بنسبة 99.99%، وحائز موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، ويتم استخدامه في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية". وأضاف أن "الحملات التي يشنّها بعض أطباء العيون لا تستند إلى معرفة حقيقية بالتقنية"، مشيراً إلى أن "الهجوم عليها مجرّد أحكام مسبقة".

كيف تتم العملية؟

وعن آلية العملية، أوضح صعب للديار أن العين "أشبه بكرة تتكوّن من الشبكية والقرنية والقزحية"، وأن التقنية "لا تمسّ القزحية إطلاقاً ولا تؤثر في وظائف العين الأساسية، بل تقتصر على القرنية التي تقع في مقدمة العين". وشرح قائلاً: "باستخدام ليزر الفيمتو ثانية، يتم حفر قنوات دقيقة جداً داخل القرنية، حيث توضع أصباغ ملوّنة متوافقة حيوياً. هذه الأصباغ تخفي اللون الأصلي للقزحية وتمنح العين مظهراً بلون جديد، من بين سبعة عشر لوناً متاحاً يمكن للمريض أن يختار بينها". وأكد أن "العملية لا تتجاوز نصف ساعة للعينين، ويمكن للمريض العودة إلى حياته الطبيعية بعد ربع ساعة فقط".

صعب شدّد في حديثه مع الديار على أن هذه التقنية "حلم للكثيرين، بل حاجة كان يجب أن تتوافر في العالم العربي منذ زمن"، نافياً ما يشاع عن أن كلفة العملية تبلغ ثمانية آلاف دولار، معتبراً أن الرقم "مبالغ فيه، علماً أن جهاز الليزر وحده يقدّر ثمنه بنصف مليون دولار". وأقرّ صعب في المقابل بأنه "كطبيب تجميل لا يجري العملية بنفسه، بل يتركها لفريق متخصّص من أطباء العيون في مستشفاه"، موضحاً أن هذا الإجراء "لا يقترب من مركز النظر ولا يلمس القزحية، وبالتالي يبتعد عن المخاطر التي سبّبتها تقنيات أخرى".

أصوات التحذير ترتفع

لكن في المقابل، لا تبدو الصورة مشرقة لدى أطباء العيون. فقد أصدرت الجمعية اللبنانية لأطباء العيون بياناً حادّ اللهجة، حذّرت فيه من خطورة هذه العمليات التي "لم يتم اعتمادها عالمياً لأسباب تجميلية"، مؤكدة أن استخدامها "يقتصر فقط على حالات مرضية أو تشوهات خلقية في القزحية". الجمعية اعتبرت أن المضاعفات "كثيرة وخطرة"، بدءاً من التهابات جرثومية واحتمال تحلّل القرنية، وصولاً إلى فقدان البصر بشكل كامل. كما لفتت إلى أن وجود أصباغ داخل القرنية قد يعيق الفحوص الطبية الدقيقة ويضاعف خطورة أي جراحة مستقبلية مثل عمليات الماء الزرقاء.

تاريخ محاولات تغيير لون العين

هذا الجدل يعيد إلى الأذهان تاريخ محاولات تغيير لون العين، من زرع قزحية صناعية إلى إزالة الصبغة بالليزر، وصولاً إلى ما يُعرف بالـ "كيراتوبيجمينتيشن"، أو وشم القرنية. ورغم كل الوعود التي حملتها هذه التقنيات، فإنها لم تنجُ من الانتقادات والتحذيرات، بسبب ما تتركه من مضاعفات محتملة على المدى البعيد.

وبعيداً عن النقاش العلمي، يبقى السؤال إنسانياً في جوهره: إلى أي حد يستحق الجمال أن نغامر بالبصر؟ كثيرون يبحثون عن لون عيون أفتح ليغيّروا صورتهم في المرآة أو ليكسروا نمطية مظهرهم، لكن آخرين يتردّدون أمام فكرة أن مجرّد خطأ قد يحوّل العالم من حولهم إلى عتمة دائمة.

بين وعود "العيون الجديدة" وهاجس "العمى الأبدي"، يقف الناس اليوم أمام خيار صعب. لكن المؤكد أن أي قرار في هذا المجال لا يجب أن يُبنى على إعلان لامع أو وعدٍ برّاق، بل على استشارة طبية دقيقة ووعي كامل بالمخاطر. فالعين التي نطمح إلى تلوينها هي نفسها العين التي نرى بها الحياة، وما من لون يمكن أن يعوّض خسارة النور.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد