محمد خواجوئي (الأخبار)
على مدى أيام انعقاد قمّة "منظمة شنغهاي للتعاون"، في مدينة تيانجين الصينية، تحوّل اهتمام العالم إليها، حيث اجتمعت قوى كبرى، في مقدّمها الصين وروسيا، إلى جانب الهند وباكستان، وأعضائها الجدد، بمن فيهم إيران، التي اكتسبت مشاركة رئيسها، مسعود بزشكيان، في فعالياتها، أهميّة خاصة، على المستويات السياسية والاقتصادية وأيضًا الإستراتيجية.
وفي ما تخضع إيران لضغوط غربية هائلة، ترافقت حديثًا مع شنّ عدوان "إسرائيلي" - أميركي عليها، تبعه تحرُّك الترويكا الأوروبية نحو إحياء العقوبات الأممية على الجهمورية الإسلامية، حاول بزشكيان رفع صوت بلاده عاليًا، دفاعًا عن التعدّدية القطبية والتعاون الاقتصادي ومواجهة الضغوط الغربية، في ما حملت مشاركته رسالة "لا للعزلة"، وكذلك التأكيد على الطاقات الجيوسياسية والاقتصادية لبلاده.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها، بواسطة العقوبات والضغوط السياسية، إلى تضييق الخناق على دول مثل إيران وروسيا، تحوّلت "شنغهاي" إلى رمز للمقاومة في وجه الأحادية القطبية الغربية. أيضًا، باتت إيران، بعد نيْلها العضوية الدائمة في المنظمة عام 2023، تتمتّع الآن بموقع ثابت، حيث وجّهت مشاركة رئيسها في اجتماع القمّة، رسالة واضحة إلى عزيمتها على المشاركة الفاعلة في بناء نظام عالمي متعدّد الأقطاب. وشدّد بزشكيان، في كلمته أمام المجتمعين ولقاءاته مع قادة الدول المشاركة، على التعددية القطبية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي، والسعي المشترك إلى إرساء السلام والأمن الإقليميَّيْن.
كما وصف قمّة "شنغهاي" بالفرصة "التاريخية"، واعتبرها "وسيلة لمواجهة الاحتكار الغربي للاقتصاد والسياسة، وأيضًا سبيلًا لفتح آفاق ومسارات جديدة أمام التجارة والطاقة والتكنولوجيا". ولعلّ واحدًا من أهمّ الاقتراحات التي قدّمها، تمثّل في مشروع "تسوية حسابات شنغهاي"، وهي مبادرة تشتمل على ثلاثة محاور رئيسية، هي: 1 - توسيع استخدام العملات الوطنية بدلًا من الدولار في التبادلات التجارية، 2 - تطوير البنية التحتية الرقمية والإفادة من العملات الرقمية المصرفية، 3 - تشكيل صندوق مقايضة العملات لمساعدة الدول المعرّضة للأزمات المالية أو العقوبات الأجنبية.
وهكذا مشروع، إذا صودق عليه ووُضع موضع التنفيذ، يمكن أن يترك أثرًا عميقًا على الاقتصاد الإيراني، لأنه يحيّد القيود الناتجة عن العقوبات المصرفية والدولارية إلى حدّ كبير. وركّز بزشكيان، في تصريحاته، على الموقع الجيوسياسي لبلاده، مشيرًا إلى ربط ميناء جابهار بشبكة السكك الحديدية الداخلية، ومؤكدًا أن إيران قادرة على ضمان وصول آسيا الوسطى والصين وأفغانستان إلى المياه الحرّة والمحيط الهندي. وتنطوي هذه الرسالة على معنى واضح لشركاء "شنغهاي": إيران ليست عضوًا سياسيًّا وأمنيًّا فحسب، بل يمكن أن تشكّل القوّة الدافعة للمشروعات الاقتصادية والترانزيتية الضخمة.
وعلى هامش القمّة، عقد الرئيس الإيراني لقاءات ثنائية ومتعدّدة الأطراف، في ما شكّل لقاؤه مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أمس، فرصة لتعزيز "المشاركة الإستراتيجية الشاملة" التي أسّس لها البلدان منذ سنوات؛ علمًا أن الصين تُعدّ أكبر شريك تجاري لإيران. أيضًا، كان اللقاء الذي جمع بزشكيان إلى نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، لافتًا في هذا الإطار، بعدما بات التقارب بينهما في نطاق "شنغهاي"، ينطوي على معنى يفوق التعاون الثنائي.
وفي بيانات إيران، تكرّر مضمون واحد: ضرورة مواجهة سياسة العقوبات والضغوط السياسية الغربية، إذ سعت طهران، خلال القمّة، إلى نقل رسالة مفادها أن التعاون الإقليمي يمثّل أفضل أداة لحفظ استقلال الدول وسيادتها. وفي حال مضت مبادرة إيران المُقترحة للهيكلية المالية لـ"شنغهاي" قدمًا، وتعزّزت معها مشاريع الترانزيت وتلك التجارية، بدعم من الصين وروسيا، يمكن القول إن زيارة الرئيس الإيراني ستتعدّى كونها استعراضًا دبلوماسيًّا، إلى تشكيل منعطف في إستراتيجية "التحوّل شرقًا" لإيران.
وفي بيانها الختامي، ندّدت القمّة بالهجمات العسكرية "الإسرائيلية" والأميركية على إيران، وأكّد أعضاء المنظمة أن حماية المنشآت النووية الإيرانية يجب مراعاتها في مطلق الأحوال، وأن أيّ تهديد أو هجوم على تلك المنشآت ليسا مقبوليْن. وإلى ذلك، عبّرت القمّة عن معارضتها الصريحة للعقوبات الأحادية والمحاولات الرامية إلى إعادة قيود مجلس الأمن الدولي ضدّ إيران. وتنطوي هذه المواقف على رسالة سياسية وأمنية قوية لطهران: فمن ناحية، تبرز دعم أعضاء المنظمة لطهران في مواجهة الاعتداءات الخارجية، وتعزّز، من ناحية أخرى، إمكانات إيران لخفض تداعيات العقوبات وزيادة التعاون الإقليمي والدولي.