اوراق مختارة

إعفاءات ضريبية لأصحاب رؤوس الأموال: موازنة 2026 في خدمة الوحوش

post-img

فؤاد بزي (جريدة الأخبار)

من جديد، تكشف أرقام مشاريع الموازنات للحكومات المتعاقبة عن غياب التخطيط، وسيطرة «العقل المحاسبي» على فكر السلطة السياسية، إذ لا عدالة في توزيع الأثقال المالية على القطاعات، بل تركيز على تحصيل أموال إضافية من جيوب المواطنين من موظفين وعمال، ومن القطاعات المنتجة في خدمة زيادة الإنفاق، والادعاء بتوقّع عجز صفري، بعد أن كان العجز في موازنة عامة 2025 يساوي 4.11%.

في المقابل، ومع كلّ مشروع موازنة، تؤكّد السلطة السياسية أنّها الممثل الأمين لأصحاب رؤوس الأموال والمصارف والتجار. ففي مشروع موازنة عام 2026، وإلى جانب التوسع في «الدولرة»، نصوص قانونية تسمح لوزير المال بتقديم إعفاءات تصل إلى حدود 60 مليار ليرة، وفقاً للمادة 15. وللحكومة الحق في رفع قيمة الإعفاءات فوق السقف المحدّد لوزير المالية بـ60 مليار ليرة، أو 667 ألف دولار. ما يعني، وفي حال إقرار المادة بحرفيتها في مجلس النواب، تشريعاً لـ«صلاحيات استثنائية للحكومة» للإعفاء من الغرامات. وتأتي سياسة التشريع بالصلاحيات الاستثنائية هذه في ظل غياب تام لأي إصلاح ضريبي، إذ لا تزال الخانة المخصصة للضرائب على الأملاك البحرية مثلاً فارغة، صفر.

ولا تزال القاعدة الضريبية ضيقة، وتضغط على العمال والموظفين، فيما تسهل أعمال أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، وتقيّد المؤسسات المنتجة. على سبيل المثال، سترفع الحكومة من إيراداتها من الضريبة على القيمة المضافة، إنّما بشكل موارب، من دون زيادة نسبتها. إذ ستمنع المادة 36 من مشروع الموازنة حسم قيمة استهلاك الماء والكهرباء والاتصالات والإنترنت والبنزين من الضريبة على القيمة المضافة للمؤسسات الإنتاجية. وسيؤدي هذا التعديل، في حال تمريره في مجلس النواب إلى ارتفاع في أسعار المنتجات المحليّة، أو ببساطة انهيار المنتجين المحليّين.

فالحكومة تفتش عن سبل لتمويل الزيادة في الإنفاق الذي ارتفع حجمه في مشروع موازنة عامة 2026 بنسبة 15.5%، من 427 ألفاً و695 مليار ليرة، ما يساوي 4 مليارات و780 مليون دولار في موازنة عام 2025، إلى 505 آلاف و720 مليار ليرة، ما يساوي 5 مليارات و650 مليون دولار، أي بزيادة قدرها 78 ألف مليار ليرة، ما يوازي 870 مليون دولار.

نظرياً، تدّعي الحكومة في مشروعها الإصلاح، ولكنّ تكلفة العجز الصفري، ورفع حجم الإنفاق، سيتحمله العمال والموظفون وأصحاب المداخيل الصغيرة، إذ أعدّت لهم وزارة المالية ومن خلفها السلطة السياسية وجبة ضرائب ورسوماً جديدة، فضلاً عن القوانين التي تقلّل من مداخيلهم، مقابل إعفاءات لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من الدفع. ففي الحكومات اللبنانية المتعاقبة تتغيّر أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب، إلا أنّ النهج واحد، ويتمثل في تحميل جيوب العمال والموظفين أعباء تمويل الدولة، عبر فرض المزيد من الضرائب عليهم.

الأرقام واضحة، إذ ارتفعت نسبة الاعتماد على الإيرادات الضريبية لتمويل إجمالي الإنفاق من 76% في موازنة عام 2025، إلى 82% في مشروع موازنة عام 2026. وستحمّل الحكومة هذه الزيادة لأصحاب الدخل المحدود، فالرسوم الداخلية على السلع والخدمات، والتي تصيب مباشرة المستهلكين ستُرفع من 203 آلاف و552 ملياراً في عام 2025، إلى 266 ألفاً و828 ملياراً، أي زيادة بمقدار 23.7% أو 63 ألف مليار ليرة، ما يساوي 707 ملايين دولار. وتشكل هذه الزيادة على الرسوم الداخلية المفروضة على السلع والخدمات نسبة 81% من إجمالي الزيادة في الإنفاق الحكومي في مشروع موازنة عام 2026.

بمعنى آخر، ستتكل الحكومة على الرسوم المفروضة على المحروقات ومواد البناء والضريبة على القيمة المضافة وضريبة الدخل على الرواتب والأجور لتتمكن من زيادة إنفاقها. وفي المقابل، ستخفف من الضريبة على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال، وهي الضريبة التي تصيب الأغنياء، بنسبة 17% في مشروع موازنة عام 2026، من 43 ألفاً و109 مليارات ليرة، إلى 35 ألفاً و664 مليار ليرة، ما يشير إلى حسم مقداره 83 مليون دولار من الضرائب المفروضة على الأرباح وعلى رؤوس الأموال المنقولة. أما الضريبة على الرواتب والأجور، والتي تصيب حصراً العمال والموظفين، فمن المتوقع أن تتضاعف 2.4 مرة، من 8 آلاف و488 مليار ليرة، إلى 20 ألفاً و175 مليار ليرة، ما يعني زيادة نسبتها 138% على الضرائب المفروضة على رواتب الموظفين وأجور العمال عمّا كانت عليه عام 2025.

في مقابل هذه الزيادات على أصحاب المداخيل الصغيرة، ستخفّض الحكومة في مشروع الموازنة ضريبة الدخل على الأرباح بنسبة 60%، من 29 ألف مليار ليرة، إلى حوالى 12 ألف مليار ليرة، ما يوازي حسماً قيمته 192 مليون دولار من الضرائب على الأرباح. كما ستقدم الحكومة المزيد من الحسومات الضريبية لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، إذ ستخفض الضرائب على رؤوس الأموال المنقولة بنسبة 83%، من 3 آلاف و875 مليار ليرة، إلى 651 مليار ليرة فقط، ما يعني عفواً ضريبياً قيمته 36 مليون دولار على رؤوس الأموال المنقولة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد