غسان ريفي (سفير الشمال)
كان لافتا أمس كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أنه “سيرد لاحقا على عدم تسليم حزب الله سلاحه”، خصوصا أنه جاء بالتزامن مع جولة مورغان أورتاغوس وقائد المنطقة الوسطى الجنرال براد كوبر في الجنوب وتبديل رئيس لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار الجنرال مايكل ليني بجنرال آخر.
كلام ترامب كان بمثابة إعتراف صريح بفشل مهمة مبعوثه السفير توم باراك الذي نجح في فرض ورقته كاملة على الحكومة اللبنانية وفشل في إقناع "إسرائيل" تقديم أي خطوة إيجابية تجاه لبنان، ما أدى إلى عدم تطبيقها وتريث الحكومة بإنتظار إلتزام الكيان الغاصب ببنودها، وبدل أن يحمّل ترامب المسؤولية لإسرائيل قفز إلى الأمام ليغطي فشل باراك ويتحدث عن رفض حزب الله تسليم السلاح.
في غضون ذلك، يبدو واضحا أن كل المبعوثين الأميركيين يعتمدون مبدأ “اللف والدوران” في التغاضي عن العدوان الاسرائيلي المستمر على لبنان ورفض العدو القيام بأي خطوة تجاه الانسحاب والتوقف عن هذه الغطرسة، وتركيز الحديث على سلاح حزب الله الذي جرى تسليم نحو ٨٥ بالمئة منه جنوب نهر الليطاني إلى الجيش اللبناني.
لذلك، فقد كانت زيارة أورتاغوس وبورك إلى الجنوب أشبه بجولة تفقدية للمناطق التي تحتلها إسرائيل، في وقت تتحول فيه اللجنة التي يتبدل رؤساؤها كل فترة إلى لجنة الإشراف على الاعتداءات الاسرائيلية خصوصا أنه منذ تشكيلها لم تحرك ساكنا تجاه هذه الاعتداءات ولم تصدر بيان إدانة أو إستنكار أو تحديد مسؤوليات وكأنها مجرد “شاهد زور” على ما يشهده لبنان الذي لم يشفع له عند الولايات المتحدة التزامه بكامل بنود إتفاق وقف إطلاق النار وعدم قيام المقاومة بإطلاق رصاصة واحدة على الاعتداءات الاسرائيلية المتمادية.
ولا شك في أن القرارات التي إتخذتها الحكومة في جلسة الخامس من أيلول والتي جمدت مفاعيل قرارات جلستيّ الخامس والسابع من آب، وأدت إلى التخفيف من حدة الاحتقان الداخلي بعدم وضع جدول زمني لتنفيذ خطة الجيش اللبناني بعد جهود بذلها رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وقائد الجيش العماد رودولف هيكل الذي إعتمد شفافية مطلقة في خطة الجيش لجهة إبراز التعقيدات والصعوبات المتعلقة بإمكانات المؤسسة العسكرية وتجهيزاتها وبالاحتلال الاسرائيلي ونواياه التوسعية، كل ذلك لم يرق للأميركي الذي يحاول ممارسة المزيد من الضغوط لنزع كل مقومات القوة من لبنان وتعريته بالكامل أمام العدو الصهيوني من دون أن يُجبره على تقديم أية تنازلات لجهة الالتزام ولو ببند واحد من إتفاق وقف إطلاق النار.
الموقف الأميركي سرعان ما وجد له صدى في الداخل اللبناني، في ما يبدو أمر عمليات جديد للضغط على المقاومة وبيئتها، وقد جاء موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في قداس شهداء المقاومة اللبنانية ليحاكي الموقف الأميركي، علما أن القوات رفضت عبر وزرائها عدم وضع مهلة زمنية لتنفيذ خطة الجيش اللبناني لكنها فشلت في ممارسة الضغط ضمن مجلس الوزراء الذي عمل على تغليب المصلحة الوطنية بتوجيهات من رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي أكد على مبدأ حصرية السلاح وربطه بتطورات التجاوب الاسرائيلي، وعلى عدم كسر المقاومة وبيئتها.
لذلك، فقد لجأ جعجع أمس إلى التصعيد، ليس في وجه حزب الله فحسب بل في وجه رئيس الجمهورية، خصوصا أن جعجع وبعض من يدور بفلكه ممن يسمون أنفسهم سياديين يعملون على تنفيذ الأجندة الأميركية وفي الوقت نفسه على تصفية الحسابات مع الرئيس عون والتلطي خلف مواقف رئيس الحكومة نواف سلام، الأمر الذي لن يكون له نتائج على مستوى القرارات التي إتخذت ودخلت حيز التنفيذ في جلسة الخامس من أيلول، بل من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الشرخ الداخلي والى إعادة التوتر الذي ساهمت الجلسة في التخفيف منه، ما يشير إلى أن البلاد مقبلة على ممارسات سياسية تهدف إلى إبقائها فوق صفيح ساخن!..