أوراق سياسية

قطر تقود المواجهة الدبلوماسية ضدّ "إسرائيل": تصعيد سياسي يعيد تشكيل المواقف العربية والإسلامية

post-img

خالد العزي (لبنان الكبير)

رغم الإدانة الدولية الواسعة لـ"إسرائيل" في مجلس الأمن، والتي ترافقت مع مداخلات حادة ضدّ ممارساتها كدولة مارقة تتجاوز القانون الدولي، فإن المجلس لم يتّجه إلى فرض عقوبات فعلية على "إسرائيل". وعلى الرغم من موافقة المندوبة الأميركية على البيان الحاد الصادر عن المجلس، فإن الجميع كان يدرك أن الفيتو الأميركي سيقف بالمرصاد لأي خطوة عملية، مدعومًا بموقف بريطاني مشابه.

في هذا السياق، صعّدت قطر دبلوماسيًا بشكل ملحوظ، وتمكّنت من فتح الباب لمواجهة سياسية مع "إسرائيل" عبر مجلس الأمن، مما ساعد على التمهيد لعقد قمة عربية إسلامية تستضيفها الدوحة الأسبوع المقبل. وستكون هذه القمة مخصصة لإدانة "إسرائيل"، وبحث آليات المواجهة الدبلوماسية والإعلامية، وحتّى الاقتصادية، في وجه كيان بات يمارس إرهاب الدولة والقرصنة دون رادع.

الرهان القطري على الدعم الخليجي والعربي

اعتمدت قطر في تصعيدها ضدّ "إسرائيل" على تأييد واسع من دول الخليج، بالإضافة إلى دعم عربي وإسلامي، في محاولة لنقل المعركة إلى الساحة الدبلوماسية، ما يضع "إسرائيل" وحليفتها الولايات المتحدة في موقف حرج. ويُتَّهم الجانب الأميركي بالعلم المسبق بالضربة الأخيرة من دون تنسيق مع الحليف القطري، مما أثار استياء الدوحة، التي رأت في ذلك تجاوزًا سياسيًا وأمنيًا غير مبرَّر.

لقد استطاعت قطر أن توحد الموقف الخليجي، وتصفّر الخلافات السياسية بين دوله، لبناء جبهة موحدة في مواجهة الخطر ال"إسرائيلي"، الذي ينظر إلى إعادة تشكيل خارطة المنطقة، خصوصًا في الخليج والعالم العربي. كما خرجت قطر إلى الساحة بموقف عربي موحد، دعم توحيد الخطاب داخل جامعة الدول العربية، وفعّل دورها في مواجهة التحديات المتزايدة التي تهدّد استقرار المنطقة.

محور إسلامي جديد: تركيا، باكستان، مصر، والسعودية

تسعى القمة الإسلامية المرتقبة إلى تأسيس محور إسلامي قوي، تقوده دول كبرى مثل باكستان وتركيا ومصر والسعودية، استعدادًا لمواجهة "إسرائيل"، لا لمجرد الدفاع عن النفس. هذا المحور الجديد يهدف إلى تصفير المشاكل الداخلية بين الدول الإسلامية، والتلويح بتعدد الحلفاء، في رسالة واضحة لواشنطن التي لطالما سعت لاحتكار علاقاتها وتحالفاتها مع هذه الدول لخدمة مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية.

العدوان "الإسرائيلي"  يحرج واشنطن

العدوان "الإسرائيلي"  الأخير على قطر وضع الإدارة الأميركية في موقف صعب: هل تدافع عن "إسرائيل" على حساب مصالحها الاقتصادية الضخمة في الخليج؟ وهل تفتح الباب أمام قوى جديدة لدخول المنطقة وتقاسم النفوذ؟ لا سيما أن إدارة ترامب، المعروفة بطابعها القائم على الصفقات التجارية، قد تجد نفسها مضطرة لمراجعة حساباتها إزاء تصرفات نتنياهو المتطرّفة، التي تهدّد استقرار المنطقة برمتها.

في إطار هذه التطورات، نجحت قطر في توحيد الخطاب الإعلامي العربي ضدّ "إسرائيل"، وضبط مفرداته، بما يتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة من المواجهة الدبلوماسية. فالدولة العبرية باتت تواجه عزلة متصاعدة، نتيجة سياساتها الاستفزازية التي تهدّد بإشعال المنطقة وتوسيع رقعة الصراع.

ضربة "إسرائيل": أزمة حقيقية لحكومة نتنياهو

الضربة "الإسرائيلية" الأخيرة باتت تشكّل أزمة فعلية لرئيس الوزراء "الإسرائيلي"  بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة، التي فشلت في تحقيق أهدافها من قتل قادة “حماس” أو نسف عملية التفاوض المرتقبة مع الفلسطينيين. والسؤال المطروح اليوم: كيف سيكون الرد الخليجي والقطري على هذا التصعيد؟

تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان نتنياهو سينجح في تنفيذ مخطّطه بتهجير سكان غزّة إلى الخارج، في ظل رفض جميع الدول استقبالهم، ورفض مصر فتح حدودها البرية والبحرية والجوية أمامهم، مما يعني أن المواجهة المقبلة قد تكون مع مصر أو حتّى تركيا، ما ينذر بتوسع خطير في دائرة الصراع.

الاعتراف بالدولة الفلسطينية: صفعة دبلوماسية مرتقبة

الرد العربي والدولي الأقوى على العدوان "الإسرائيلي"  يتمثل في الدفع نحو تصويت عالمي للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفق القانون الدولي، ما يعني تشديد عزلة "إسرائيل" وتقويض نفوذ اليمين المتطرّف فيها. معظم الدول الأوروبية تتّجه فعلًا نحو الاعتراف الكامل بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، وهو ما يشكّل نقلة نوعية في الموقف الدولي من القضية الفلسطينية.

في ظل منع الإدارة الأميركية الحالية منح تأشيرات دخول للفلسطينيين، بدأت الدول العربية والأوروبية بالتحرك لنقل جلسة الأمم المتحدة من نيويورك إلى جنيف. وهو ما يعيد إلى الأذهان واقعة عام 1974، حين منعت واشنطن دخول ياسر عرفات إلى مقر الأمم المتحدة، فتم عقد الجلسة في جنيف، حيث ألقى خطابه الشهير، وتم الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلًا شرعيًا للشعب الفلسطيني.

بعد خمسين عامًا، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، لكن هذه المرة بوعي أعمق ودعم دولي أوسع. العالم، الذي أخطأ في الماضي بعدم مساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم، يتّجه اليوم إلى تصحيح هذا الخطأ التاريخي. التحرك القطري والعربي لا يمثل فقط تحديًا ل"إسرائيل"، بل محاولة جادة لإعادة التوازن في المنطقة، عبر تحالفات دبلوماسية واقتصادية وإعلامية تعيد رسم الخريطة السياسية بما يخدم قضايا الحق والعدالة. وقد تكون هذه اللحظة التاريخية بداية تحول حقيقي نحو الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني، وإنهاء عقود من الظلم السياسي والتجاهل الدولي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد