غسان ريفي (سفير الشمال)
تحديات كثيرة تواجه القمة العربية التي تنعقد اليوم في العاصمة القطرية الدوحة، خصوصًا أنها تأتي في ظروف دقيقة جدًّا وبعد سلسلة اعتداءات "إسرائيلية" طالت خمس دول عربية في ٢٤ ساعة هي فلسطين ولبنان اللذين يشهدان استمرار الحرب عليهما، وسورية وتونس وقطر حيث حاول العدوّ الصهيوني قتل فريق حماس المفاوض المتواجد فيها بهدف قتل المفاوضات برمتها كونها لا تصب في مصلحة نتنياهو.
ولعل ما يعطي هذه القمة مزيدا من الأهمية أنها تُعقد في ظل حرب الإبادة والتجويع والحصار التي يفرضها العدوّ على غزّة، وفي ظل استمرار الأعمال الاستيطانية "الإسرائيلية"، وانتهاكها لسيادة الدول العربية من دون حسيب إقليمي أو رقيب دولي، وإعلان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنه في مهمّة ربانية تاريخيّة من أجل تحقيق "إسرائيل" الكبرى.
لذلك، يُفترض بالقمة العربية ان تضع على طاولة البحث والنقاش الخارطة الزرقاء التي رفعها نتنياهو والتي تهدّد بقضم أجزاء كبيرة من الأراضي العربية لتحقيق الحلم الصهيوني الذي يدعمه رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب بقوله: “إن خارطة "إسرائيل" الحالية ضيقة عليها”.
علما أن كلام نتنياهو يؤسّس للشرق الأوسط الجديد الذي بشرت فيه غونداليزا رايس منذ العام ٢٠٠٦ وأعاد نتنياهو التأكيد عليه بعد عملية طوفان الأقصى وهو يقضي بحسب النظرة الصهيونية المدعومة أميركيا باستباحة سيادة أي دولة عربية وانتهاك سيادتها لتحقيق أي هدف من الأهداف "الإسرائيلية" أو في حال شعر الكيان الغاصب بأي تهديد، وهذا ما ترجم في العدوان على قطر التي بدل أن يداري "الإسرائيلي" فعلته، أعاد الكرّة في تهديدها بالقصف مجددا، في ما اعتبر مسؤولون إسرائيليون أن قطر دولة راعية للإرهاب وفي ذلك إعلان واضح وصريح بأن لا خطوط حمراء أمام "إسرائيل" لا في قطر ولا في غيرها.
واللافت أن الأميركي الذي لم يمض على منحه أربعة آلاف مليار دولار في جولته الخليجية الأخيرة وتلقيه إلى جانب المال طائرة رئاسية هدية من قطر، استبق قمة الدوحة ليؤكد الدعم المطلق لـ"إسرائيل" في كلّ ما تقوم به، بدءا بمنع مجلس الأمن من تسميتها في إدانته للهجوم على قطر، وصولًا إلى زيارة وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو إلى "إسرائيل" ووقوفه مع نتنياهو أمام “حائط المبكى” واضعا القلنسوة اليهودية ومشدّدًا على انتمائه الصهيوني، وذلك في رسالة واضحة إلى كلّ من يعنيهم الأمر، أن أميركا ما تزال تدعم التوجّهات "الإسرائيلية" وممارساتها العدوانية.
هذا الواقع، يُصعّب المهمّة على القمة العربية التي من غير المنطقي أن تُختتم من دون اتّخاذ قرارات وإجراءات رادعة وعدم الاكتفاء هذه المرة بالذات بالإدانة والاستنكار والشجب والرفض وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية الغطرسة "الإسرائيلية" وإعلان التضامن العربي المشترك، خصوصًا أن ذلك لن يكسر الحصار على غزّة ولن يحمي دول المنطقة من الأطماع "الإسرائيلية" ولن يجمد الخارطة الزرقاء، ومن شأنه أن يُظهر عجزا عربيا من شأنه أن “يُفرعن” "إسرائيل" التي لا تجد من يردها عن عدوانها.
بعد أكثر من ٧٠٠ يومًا من حرب الإبادة على غزّة والتي ما تزال مستمرة من دون أفق، يُفترض أن يكون قرار كسر الحصار عن الغزاويين هو أول بند في بيان قمة الدوحة، كون غزّة اليوم تشكّل البوصلة فإذا تُركت لمصيرها لن تكون أي دولة عربية بمنأى عن العدوان الصهيوني سواء كانت راعية للمقاومة أو غير راعية، كون الخارطة الزرقاء لا تفرّق بين تلك الدول، وبالتالي إذا لم يكن هناك قرارات على مستوى طرد السفراء وقطع العلاقات ووقف التطبيع والتهديد بالأسلحة المختلفة التي يمتلكها العرب من النفط إلى المواجهة الفعلية، فعبثًا يبني البناؤون وعبثا تُعقد القمم العربية والإسلامية التي ربما تكون قمة الدوحة هي الأخيرة في هذا الإطار، خصوصًا أن نتنياهو لا يمزح في طروحاته ويعدّ العدّة لتنفيذها وترجمتها والعرب يقفون مكتوفي الأيدي ويعقدون قمما لا تسمن ولا تغني من أمن وسيادة، ويبدو أنهم مستمرون في ذلك، خصوصًا أن ما تسرب من بنود مسودة البيان الختامي لقمة قطر “لا يبشر بالخير”..