جعفر سليم/ كاتب فلسطيني
قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية لم تأخذ فكرة ما يسمى "اليوم التالي"، حقها في الفكر السياسي الفلسطيني. لقد كان الهم الأول هو كيفية معالجة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية، وتحديدا بعد الحرب العالمية الأولى والمجاعة التي ضربت الكرة الأرضية وخاصة في بلاد الغرب، وأيضا كان الشغل الشاغل هو محاولات الالتفاف على قرارات السلطان والحاكم الإداري.
بعد الانهيار غزت جيوش دول غربية المنطقة العربية، وعلى رأسها الجيشان الفرنسي والبريطاني بتواطىء من ما سمي حينها "الثورة العربية" ضد الاحتلال التركي. وبالفعل احتلت هذه الجيوش جميع الدول العربية وقسم قليل من أراضي اليمن العزيز لتبدأ السياسة الغربية بتنفيذ مشروعيها الغربي والصهيوني نظرا إلى تقاطع المصالح.
الأول مشروع كامبل بنرمان، والذي تولى رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة من العام 1905 الى 1908. وهدف هذا المشروع إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق الغرب وسيطرته على ثروات المنطقة. والثاني مشروع ثيودور هرتزل، وهو كاتب نمساوي - مجري ومؤلف مسرحيات وناشط سياسي. كذلك هو مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة، في القرن الماضي، والمنظمة الصهيونية لتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين ساعيا لتشكيل دولة يهودية حدودها- كما جاء في كتبهم- من النيل الى الفرات، وأبعد من ذلك لتصل إلى "أرض الأجداد في خيبر".
في شهر أيلول من العام 1947؛ شكّلت الأمم المتحدة - بطلب بريطاني- لجنة خاصة بفلسطين، صاغت مشروع قرار يتضمن خطة تقسيم فلسطين إلى 3 كيانات جديدة، دولة عربية ودولة يهودية و" نظام دولي خاص "خارج حدود الدولة لمدينة القدس والمناطق المحيطة بها، وبالفعل تبنّت الجمعية العامة هذا المشروع في جلستها العامة، والذي حمل الرقم 128 بـ33 صوتا مقابل 13 وامتناع 10، وحمل الرقم 181.
في شهر أيلول من العام الحالي 2025؛ تتكررت الخدعة بوجوه جديدة من الدول الغربية ذاتها؛ وهي: فرنسا وبريطانيا وأحفاد حكام أرض "الثورة العربية" التي كانت عونا للحلفاء الغربيين ضد الأتراك تحت عناوين الاستقلال والحرية..!
ما نشهده، اليوم، تقاطع مصالح مجددًا بين الأحفاد، فالغربي يسعى إلى حماية مصالحه الاقتصادية في المنطقة العربية. والعربي يسعى إلى تثبيت حكمه الذي أسسه مع الغربي مقابل استثمارات في الموارد الطبيعية. وهو يعلم تماما أن الغرب له مصلحة في ذلك، وأيضا يعلم أن حماية هذه المصالح تتحقق عن طريق الثكنة العسكرية التي أنشاها وسميت "دولة إسرائيل"، وهنا نعود إلى تقاطع المصالح الصهيونية -الغربية – العربية على حساب فلسطين والشعب الفلسطيني.
في بلاد الغرب؛ يعبر كثير من شعوبها بالتظاهر، في تعاطف إنساني شديد مع الشعب الفلسطيني رفضا للمجازر اليومية التي ترتكب بحقه. كما يعبر، بصمت غريب، كثير من الشعوب العربية بسبب القمع من الأنظمة الحاكمة، ولذلك نرى أن العقل الاستعماري تحرك لامتصاص هذه الحال الإنسانية النظيفة ليجيرّها في السياسة ويحقق مصالحه.
إن الكيان الصهيوني يحقق أهدافه على مراحل، ليس بقوته، بل بقوة بلاد غربية داعمة له بلا حدود، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، وأيضا بسبب ضعف حكام أنظمة عربية، تخلت عن فلسطين لممارسة سلطتهم على شعوبهم بالحديد والنار.
فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر- 27 ألف كيلو متر مربع - مرّ عليها غزوات وغزوات.. وبقيت مع أهلها ولأهلها الذين قدموا ويقدمون أغلى ما يملكون لتحريرها، هي كانت وستبقى الرقم الصعب الذي لا يقبل القسمة..
ولن يحقق إعلان أو قرار أممي دويلة فلسطينية مسخًا على أمتار قليلة من أرضها، كما أنشا فيها كيانًا لقيطًا بقرار أممي قبل 77 عامًا..!