منير شحادة (العهد)
منذ أسابيع، صرح المبعوث الأميركي السيد توم براك أن "إسرائيل" ومن بعد عملية طوفان الأقصى، لم تعد تعترف بـ"سايكس بيكو"، وأنها ستتوغل وستضرب في أي مكان.
الاعتداء "الإسرائيلي" على الدوحة في قطر لا أراه عملية اغتيال لقادة فلسطينيين تستضيفهم قطر منذ سنتين كوسيط في المفاوضات الجارية لوقف الحرب في غزة وتبادل الأسرى، إنما أراه اغتيالاً لاتفاقية "سايكس بيكو"؛ بمعنى أن هذه الاتفاقية والحدود الدولية التي رسَّمتها ونشأت بموجبها الدول العربية، أصبحت من الماضي و"إسرائيل" لم تعد تعترف بها!.
وهو رسالة أيضاً لكل الدول العربية مفادها، أنه لم يعد هناك حصانات ولا محظورات، فـ"إسرائيل" ستقصف كل العواصم العربية، حتى تلك التي وقعت معها اتفاقيات سلام أو تطبيع.
لعقود من الزمن، زرعت أميركا في عقول القادة العرب، أن إيران هي محور الشر وأنها يومًا ما ستبتلعهم، فأقاموا قواعدَ أميركية بتكاليف خيالية، على أراضيهم لتحميهم من هذا البعبع، وإذ بـ"إسرائيل" هي التي تنقضُّ عليهم وتقصف عواصمهم.
وتُعقد جلسة في مجلس الأمن الدولي لإدانتها، فيقوم مندوبها بتهديدهم من جديد بقصفهم إذا لم ينصاعوا لأوامره. وهذا ما فعله أيضاً نتنياهو في خطابه بعد توجيه هذه الضربة.
إذاً، ما فائدة هذه القواعد الأميركية المنتشرة في الدول العربية، والتي تشفط مليارات الدولارات ولا تستطيع حماية هذه الدول من العدوان الخارجي؟
أميركا التي لم تستطع أصلًا حماية "دلُّوعتها إسرائيل" لا من طوفان الأقصى، ولا من صواريخ المقاومة في لبنان، ولا من صواريخ إيران.
إذاً أعود وأسأل، ما دور هذه القواعد الأميركية وما الفائدة منها؟
الجواب الذي لا يقبل الشك، هو أن هذه القواعد زُرِعت في الدول العربية لحماية الأنظمة من شعوبها؛ لأن أميركا مخترعة الفتن والاضطرابات والانقلابات غالبًا ما تقتات من التناقضات التي تصطنعها.
فلطالما صرح الرئيس ترامب، أنه لولا أميركا، لما صمدت دولكم ساعات قليلة.
وبعد قصف "إسرائيل" لمخازن في حمص وتدمر تابعة للسلطة السورية الحالية، تحوي ذخائر وأسلحة قدمتها تركيا، لتتمكن هذه السلطة من بسط سيطرتها على كامل أراضيها، و بعد قصف الدوحة في قطر، بتُّ مقتنعًا أكثر من أي وقت مضى، أن هذه الضربات هي أيضاً رسالة لهاتين الدولتين اللتين تقفان بجدية بوجه مشروع "إسرائيل" لتقسيم سورية.
فتركيا ترى أن تقسيم سورية وإنشاء دويلة كردية في الشمال الشرقي السوري، يشكل خطراً إستراتيجياً وقومياً عليها. فمن المعروف أن هناك صراعاً تركياً كردياً منذ عقود.
قطر التي كانت دائماً وسيطاً بين "إسرائيل" وكل الدول التي شنت حروباً عليها، وكانت من أوائل الدول الخليجية التي أقامت علاقات مع "إسرائيل"، لم يشفع لها كل ذلك عند الأخيرة، ولم يمنعها من تخطي الخطوط الحمراء وقصف عاصمتها الدوحة. وبحسب ما يبدو، فقد أرادت "إسرائيل" من خلال هذه الضربة أن تقول لقطر: لا أريد وسطاء ولا وساطات ولا مفاوضات. أريد أن أقتل الفلسطينيين جميعاً وأن أحتل الدول العربية لإنشاء "إسرائيل الكبرى".
بعد أن اتضح أن لا حصانات ولا اتفاقيات سلام ولا معاهدات تطبيع مع "إسرائيل" تؤمِّن السلام والازدهار للدول المطبعة، عكس الشعارات التي كانت تطلقها هذه الدول لتبرير هذه الاتفاقيات والمعاهدات، بات مؤكدًا، بما لا يدع مجالاً للشك، أن "إسرائيل" لا تردعها إلا القوة ولا شيء غير القوة. فهي لا تلتزم لا بقوانين ولا بقرارات دولية ولا باتفاقات ولا بمعاهدات. وبينما مشروعها بإقامة "إسرائيل الكبرى" يسير على قدمٍ وساق، ما زال العرب خانعين لا يأتون بأي رد فعل لمواجهة هذا المخطط الخطير.
لكن بعد الهجوم "الإسرائيلي" على قطر، بات يتعيَّن على الدول العربية أن تعيد حساباتها، وأن تغير سياساتها المتبعة ضد محور المقاومة الذي ثبت أنه خط الدفاع الأول عن الدول العربية كافة. ففي حال سقط هذا المحور (وهذا ما لن يحصل)، فلا شك أن الدور قادم على الدول العربية، دولةً بعد دولة.